في تاريخ الجغرافيا الأوطان مساحات إنسانية لا تتكرر في حياة البشر إلا مرة واحدة، ولهذا يقال دائماً بأن الوطن يشبه أشياء كثيرة لا تتكرر كالأم والحب مثلاً.. وكذلك من إنجازات البشر ما يبقى في ذاكرة الواقع المجتمعي رغم وجود عوامل التعرية المفتعلة التي يحاول البعض إبقاءها في حالة نشطة, وحين تكون البوتقة وطناً فإن ألواناً من البشر ستتلاقى رؤاها في إطار الشراكة الفكرية الواحدة والهادفة..
من تلك المبادرات التي حظيت بالاحترام والتفاعل الشبابي مؤخراً مبادرة( تعز مسؤوليتي), (معاً من أجل تعز آمنة ومستقرة), حاول الشباب أصحاب الفكرة أن يوجهوا طاقات إنسانية كبيرة جداً نحو تحقيق أهداف منظمة ومتسلسلة وداعمة للفكرة الأساسية التي يؤمن بها هؤلاء الشباب والمتمثلة في تحويل آلية العمل الطوعي إلى فلسفة متكاملة، بحيث لا يتوقف الأمر على التنظير لها كمنهج حضاري، مدني، متطور، بل يجب إسقاطها على أرض الواقع كسلوك إنساني منتخب..
تلك المبادرة التي حددت ثلاثة مسارات متوازية ومتوائمة مع احتياجات مرحلية معروفة ولا تخفى على الجميع, لم تبتعد عن مصفوفة المطالبة الوطنية التي يتقدم بها أفراد الشعب كل يوم أمام حكومة يقع على كاهلها الكثير، لهذا بدت وكأنها لسان حال الناس بكل شرائحهم وكل توجهاتهم, فالأمن والنظافة وخلو الدوائر الحكومية من المعوقات المعطلة للمصلحة العامة مطالب أساسية لم تخل منها أي مسودة أو قائمة أو توجيه أو اقتراح قدمه المتحاورون والمراقبون والداعمون لبنية المجتمع المدني المنشود الذي نسعى جميعاً للوصول إليه، والذي لا يمكن أن ينشأ من فراغ اللامبالاة والاتكالية, وإنما ينشأ من وحدة الرأي وتمكين الفكرة وإرساء قواعد الحرية المسئولة ومنح الفرصة الإيجابية لكل من يملك الرغبة في العطاء..
تلك هي المبادرة التي تحشد القيم الإنسانية قبل أن تحشد المواقف السياسية، وتسعى لإيجاد الألفة بدلاً من تحديد الكلفة، ففي الحياة أشياء لا يمكن أن تُشترى بالمال أو حتى توزن بالذهب.. هي ليست المبادرة الوحيدة ولن تكون الأخيرة في سلسلة المبادرات الشبابية التي تتبناها عقول مدركة ونوايا مخلصة وأرواح تتوق ليمن جديد، كل من فيه سعيد.. ولعل نجاح مثل هذه المبادرة جاء متوقفاً على حجم المسؤولية الذي حملته سياسة الارتقاء بهذا المجتمع، فالارتقاء بالفرد لا يعني إلا الوصول إلى أرقى المجتمعات ومن ثم أجمل الأوطان.
إن بعض الحب وشيئاً من الوطنية يمكن أن يكون سبباً لتغيير الرؤية وتصحيح المسار.. فلنحب هذه المحافظة التي أحبتنا بكل ما أوتيت من قوة، ولنصحح مسارنا الوطني حتى لا نتفاجأ يوماً وقد أصبحنا بلا وطن.
ألطاف الأهدل
إنه الحبُ والإحساس بالوطنية.. تعز مسؤوليتي 1499