يمتلكون الأرض والإنسان؛ ليس هكذا فقط؛ بل أنهم يسيطرون على ما بباطن الأرض وعلى ما يمتلكه الإنسان الخليجي في فكره وضميره أيضاً، ولأن ما نسبته ثلثي احتياطي هذا العالم من مخزون النفط هو في قبضة أيديهم فقد ساعدهم ذلك على أن يتحكموا ليس بمصير شعوبهم وحسب وإنما بمصير الشعوب الأخرى المجاورة لهم وكذلك البعيدة منهم.
صحيح أن حكام دول الخليج يظهرون للجميع بمظهر المبادرين والمانحين والداعمين للشعوب الأخرى سيما المجاورة لهم, إلا أن في الحقيقة من يُمحص النظر في أمور كهذه سيجد أن حكام الخليج لا يظهرون كداعمين ومانحين للشعوب الأخرى إلا عندما مصلحتهم الخاصة تقتضي ذلك وإن لزم عليهم الأمر وصرحوا علناً سواءً في قمة أو مؤتمراً ما أنهم سيدعمون هذا الشعب أو تلك الدولة ومن ثم رأوا أن هذا الدعم لن يحقق أي شيئاً لمصلحتهم فإنهم يذرون ما صرحوا به كالمعلقة ويحرصون على أن يبقوها أرقاماً لا واقعاً ملموساً..
من منًا سمع بالمليار دولار الذي صرح به ملك دولة خليجية كبيرة في إحدى القمم العربية كمنحة لأهالي قطاع غزة لإعادة بناء ما تم تدميره من قبل الاحتلال الصهيوني في أحد حروبه الكثيرة والمتكررة على القطاع؟, من منًا أيضاً سمع بمؤتمر أصدقاء اليمن الذي احتضنته الرياض مؤخراً؟ كل ما صرح به زعماء الخليج- زعماء المخزون النفطي الهائل- في تلك القمة وفي ذاك المؤتمر ما زال إلى يومنا هذا أرقاماً فقط..
لم يلتمسه أحد لا من أهالي قطاع غزة ولا من أبناء اليمن.. لماذا؟, لأن مثل تلك الأرقام لو نفذت على أرض الواقع لكل من البلدين المحتاجين لن يستفيد منها شيء حكام الخليج وذلك لأن الهدف منها هو هدف إيجابي- إنساني خدمي بحتة- لهذين البلدين والشعبين، لكن في كثير من الأحيان فإن مثل هذه المنح والمعونات المصرح بها علناً من قبل زعماء الخليج على أنها ستقدم كمساعدات لدولة ما دون مقابل؛ إلا أن من وراء الكواليس يحرص زعماء الخليج على إبقاء ما صرحوا به من معونات ومنح حبيسة التنفيذ ولا يقدمونها إلا بعد أن يمارسون بعض الضغوطات ويشترطون ويرسمون توجهات على الدولة التي ستقدم لها بحيث تكون كل تلك الضغوطات من صالحهم أولاً ومن ثم تصبح الدولة جديرة بتلقي معوناتهم؛ وإن لم يسعهم فرض ضغوطات على مثل هذه الدولة فإن مثل هذه المعونات تبقى قراراً ورقماً قياسياً فقط.
الجميل في زعماء الخليج أنهم كرماء؛ كرماء جداً لكن مع من ينفذ توجهاتهم وسياساتهم فإن كنت غير ذلك فليس معك غير الوعد الذي لن يتحقق. أنا هنا قد أظهر مظهراً مخزياً في عين القارئ الكريم لأنني أتحدث عن هبات ومعونات ومنح من دولة لدولة أخرى وأنه من العيب أن نعاتب الآخرين إلى جانب مساعداتهم لنا.. لكنني لا أؤمن بذلك, لأنني أرى أن كل ثروة تمتلكها أي دولة عربية فأن هذه الثروة تعد ثروةً للأمة العربية بأكملها وأن الإنسان العربي يجب أن يتذوق هذه الثروة ويسعد بها كتذوقه وسعادته بوحدة الدين الواحد واللغة العربية الواحدة وإلا فما معنى أمةً عربيةً واحدةً؟, ومع ذلك فإنني أرى أنه من العيب أن يمنحني شخصاً ما منحةً على أساس أن أسمح له بتغيير مبدأي وفكري وتوجهي؛ وهذا ما يقوم به زعماء الخليج وتحديدا زعيما- الإمارات والسعودية-..
الذي يدعو للأسف هو أن الثروة العربية صارت تستخدم في الغالب لإبادتنا والقضاء علينا وأصدق مثال على ذلك؛ هو ما قام به زعماء بعض دول الخليج لمجرد سماعهم لقائد الجيش المصري بتبنيه عزل الرئيس مرسي حين جمعوا بعد ذلك ما قيمته سبعة مليار دولار دفعة واحدة عل أساس أن هذا المبلغ المالي الكبير هو لتعزيز أواصر المحبة والإخاء فيما بينهم والشعب المصري, مع أنه لم يذهب للشعب المصري بل ذهب مباشرةً للخزينة العامة للجيش المصري من أجل دحر الإخوان المسلمين عن المشهد السياسي بشكل نهائي؛ لأن مصر بقيادة مرسي بدأت تستعيد مكانتها المسلوبة لعقود طويلة بالمال الخليجي, ومن هنا رأى زعماء الخليج أن منحهم الجيش المصري سبعة مليار دولار ليست شيئاً مقابل أن تبقى هذه الدول هي صاحبة القرار الرئيس والأول في المنطقة..
إضافة إلى ذلك فأن زعماء الخليج لا يريدون لمصر أو أي دولة مجاورة أن تنعم بالديمقراطية الحقيقية لأن ذلك سيمكن لشعوبهم بالمطالبة بالعيش المماثل لدول الديمقراطية المجاورة لهم وهذا ما يرفضه زعماء الخليج, لأنهم يرون أن هذه هي أوطانهم وحدهم ورثوها عن أسلافهم القدماء وهم وحدهم من يحكمونها ويتحكمون بخيراتها كيف ما يشاءون.. ولو كان زعماء الخليج زعماء إنسانية بشكل حقيقي؛ فأين هم من شعبي الصومال والسودان؟, أين هم من فلسطين الأرض والإنسان؟.. لكن للأسف الشديد ليس هذا ما يفكر به زعماء الخليج, ففكرهم لا يزال قاصراً على أن يرسلوا مساعداتهم ومنحهم لمن جاورهم بشرط أن تكون مصحوبة بقرار أو هدف سياسي معين يكون من مصلحتهم أولاً.. هكذا هم يفكرون!.
محسن فضل
ما يفكر به زعماء الخليج! 1492