كنت أعتقد بأن الثورة رسخت قيمها الثورية والإنسانية العظيمة في مجتمعنا، وعززت مبدأ سيادة القانون الذي سيخضع له الحاكم قبل المحكوم، وأن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات؛ بالإضافة إلى إزالة الحواجز الإسمنتية، والبوابات الحديدية والأسلاك الشائكة الفاصلة بين المسئول والمواطن البسيط ؛ ولذا لن نسمع أي مواطن يشتكي من انتهاك لإنسانيته وعرقلة لمعاملته من قبل أي مسئول في الدولة ولكن لم يحصل شيء من هذا..
فالقانون يداس كل يوم وحقوق المواطنين تنتهك باستمرار، والمسئولون محصنون خلف أسوار عالية، وحراسات أمنية مشددة، وسماسرة يقفون أمام أبواب مكاتبهم وكأن الثورة لم تقم في هذا البلد..
وحتى جرحى الثورة الشبابية ـ الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل العيش، الحرية، العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ـ ها هم يموتون واحداً تلو الآخر كونهم لم يحصلوا على الرعاية الطبية اللازمة لشفائهم واستمرار حياتهم..
فمن المسئول عن موتهم هل هو رئيس مجلس الوزراء الذي صب جل اهتمامه للجمعيات الخيرية؛ حيث منحها مسئولية ملف الجرحى هذا اذا لم يكن قد سلم إدارة الدولة لهذه الجمعيات؟
أو وزارة الصحة؟ أو أن عبثية وزير المالية الذي استجمع كل قواه واستنفذ كامل شجاعته ووطنية لإيقاف المخصصات المالية الخاصة بالجرحى كونها في نظرة هدر للمال العام!!!! في حين اكتسى بلباس الجبن أمام اعتمادات مشايخ القبائل التي قام بصرفها ولم تتمكن وطنتيه الزائفة من إيقافها كونها تصرف لأشخاص بدون وجه حق!!
فعن أي هدر للمال العام يتحدث وزير المالية؟
أو أن المسئولية تقع على الأحزاب السياسية المنشغل بعضها باستكمال الهيمنة على كل مفاصل الدولة بالإضافة للتضامن مع معتصمي رابعة العدوية ومعهم النوبلية للسلام؟
ونتيجة للظروف الصحية والمادية الصعبة التي يعيشها جرحى الثورة في داخل الوطن وخارجة وكذلك لضيق الوقت الذي يداهم حياتهم ويهددها، لم يعد مهماً في الوقت الراهن معرفة من الذي عرقل سفر الجرحى لتلقي العلاج كون الأولوية الآن هي كيف يمكن إنقاذ حياة الجرحى الآخرين؟
ومن يستطيع الضغط على الحكومة ليحصل هؤلاء الجرحى على كامل حقوقهم في العيش الكريم؟
وليس غريباً أن تتخلى الحكومة، والأحزاب السياسية، وبعض منظمات المجتمع المدني، وبعض الناشطين الحقوقيين عن جرحى الثورة الشبابية؛ لأني وغيري كثيرون نعرف بأنهم يقتاتون من جراح الثوار؛ وكذلك من خلال المتاجرة بالكثير من القضايا ذات البعد الإنساني والوطني..
ولكن ما يثير استغرابي ويشعرني بالحزن هو تهاون قيادة الحزب الاشتراكي بقضية الجرحى.
صحيح أن الحزب يحمل هم وطن؛ لكن هذا لا يعفيه من المسئولية الأخلاقية؛ كون الحزب الاشتراكي اليمني هو الحزب الذي يعلق علية أغلبية اليمنيون آمالهم في بناء الدولة المدنية الحديثة؛ دولة يسودها النظام والقانون، والعدل، المساواة، دولة يمنية تُصان وُتحترم فيها الحقوق والحريات؛ باعتباره صاحب المشروع الحداثي لليمن؛ لهذا وجب تذكير قيادة حزبي بان سر بقاء الحزب قوياً ومتماسك خلال العقدين الماضيين برغم كل الضربات التي تعرض لها؛ هو تمسكه بمبادئه الإنسانية العظيمة والتحامه بالجماهير, وتبنية قضاياهم العادلة؛ لهذا يجب ان يكون لهم موقف واضح وصريح تجاه قضية الجرحى المهددة حياتهم بالموت في أي لحظة؛ لان صمتهم سيكون سبب في خسارة الحزب لقاعدته الشعبية والجماهيرية ؛ وسيجعل دور الحزب يقتصر على تلقي التعازي لوفاة فلأن أو لاغتيال علان؛ هذا ما نرفضه كونه يتنافى مع مبادى وقيم الحزب.
المجد والخلود لشهداء الثورة الشبابية والشفاء للجرحى، ولعنة التاريخ والأجيال القادمة ستلاحق القتلة وكل من كان سبب في وفاة الجرحى..
هاني أحمد أبو أصبع
حكومة وأحزاب تقتات من جراح جرحى الثورة 1019