في تقرير مطول لمراسلها من القاهرة، نشرته مؤخراً، ناقشت صحيفة الإندبندنت البريطانية موقف التيار الليبرالي الذين يمكننا أن نضيف إليه التيار اليساري، وبقدر أقل قطاعاً من التيار القومي، موقفه من مشكلة الدين والتدين في الساحة المصرية، والتي تبدو مطروحة في ذهن رموزه هذه الأيام بعد نجاحهم في الانقلاب على الشرعية الدستورية في اللعبة التي سموها ثورة 30 يونيو. وجاء الفيديو الذي تسرب لمناقشات لجنة تديل الدستور ليكشف توجهات القوم بوضوح.
ولأنهم يدركون تماماً أن ما جرى لم يكن ثورة بحال، فقد بدأوا باكراً النقاش حول المرحلة المقبلة، وكيفية التعاطي مع ما يسمونه تيار الإسلام السياسي، إذ تتمثل معضلتهم في أن أية انتخابات حرة ونزيهة لا يمكن أن تأتي في صالحهم، بمعنى أن يحصلوا على ما يكفي لتصدر المشهد.
من المفيد القول ابتداء: إننا غير مقتنعين أبداً بأن من أداروا العملية الانقلابية المدبرة بإحكام يريدون أن يرتبوا عملية ديمقراطية حقيقية، أو يريدون كما زعموا استكمال أهداف ثورة 25 يناير، والسبب بطبيعة الحال أنهم يدركون أن أمراً كهذا سيعيد الوضع إلى ما كان عليه، حيث ستتصدر القوى الإسلامية المشهد من جديد، الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولاً؛ لا بالنسبة إليهم، وقبلهم الدولة العميقة، ولا بالنسبة للدول العربية التي دعمت الانقلاب بكل قوة؛ هي التي تعاني حساسية مفرطة حيال الديمقراطية الحقيقية أولا، وحيال الإسلام السياسي، وفي صدارته الإخوان ثانياً.
غير أن تلك القوى التي ساندت الانقلاب ومنحته الشرعية لا تريد القول: إنها ساندت انقلاباً، فهي تزعم أنها كانت تستعيد ثورة 25 يناير التي «سرقها الإخوان»، وأنها عازمة على إعادة القرار للشعب الذي «ثار» في 30 يونيو، وهي لذلك تبحث عن صيغ بديلة تمكنها من السعي لديمقراطية حقيقية تصل بها هي إلى السلطة وليس القوى الإسلامية.
تلك معادلة تبدو مستحيلة إلى حد كبير، فخلال خمس جولات انتخابية منذ عامين، ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن القوى الإسلامية بمختلف أطيافها هي صاحبة الصوت الأعلى دائما، وأن نصيب الآخرين من اللعبة ليس كبيراً، ولعل الدلالة الأبرز على مزاج الشارع هي انتخابات مجلس الشعب التي حصل فيها الإسلاميون على حوالي %70 من الأصوات. وفيما زعم القوم أن الإخوان قد تراجعت شعبيتهم بعد فوز مرسي (وفشله المزعوم)، فقد جاءت فعاليات ما بعد الانقلاب كي ترد على ذلك بقوة.
وإذا سألنا بشكل عابر عن ردة فعل تلك القوى المتوقعة على إصرار العسكر وقوى الانقلاب الفلولية على ترتيب لعبة ديمقراطية مفرغة من المضمون كتلك التي كانت موجودة في عهد مبارك، فإن الإجابة هي أن مواقفها ستتراوح بين من يقبل بحصة من الكعكة مقابل السكوت، وبين من سيرفض ذلك، فيما أن تكون غالبيتهم من الصنف الأول نكاية بالإسلاميين كما كان الحال طوال العقود الأخيرة.
ما يعنينا هنا هو ما تريده تلك القوى من أجل تحجيم حضور الإسلاميين في الشارع، وهو ما ركز عليه تقرير الإندبندنت، إذ توجِّه بصرها نحو التدين في المجتمع المصري، والذي يمنح برأيها الإسلاميين أفضلية في المنافسة، ولا بد تبعا لذلك من إجراءات وقوانين جديدة تعالج هذا «الخلل».
هنا تتراوح مقترحات السادة الليبراليين واليساريين والقوميين بين أقصى اليسار وأقصى اليمين. بين من يريدون وضع نص في الدستور المعدل يرفض الأحزاب الدينية، ومن يطالب بحل جماعة الإخوان وحزبها (الحرية والعدالة)، وبين من يطالب بقوانين واضحة ضد استخدام الدين في الخطاب السياسي، فضلاً عن منع استخدام المساجد في الدعاية السياسية.
ربما وجد بعض أولئك القوم حرجاً في هذا الخطاب الذي يتبنونه بعد أن حصلوا على موقف مختلف من حزب النور السلفي من الانقلاب، لكن مجاملة الحزب في حال استقر الوضع للانقلابين لن يكون ضرورة، لاسيَّما أن عزلته عن الجماهير الإسلامية باتت واضحة نظراً لعدم قدرته على إقناع الناس بموقفه الذي جاء استجابة لنكاية سياسية من جهة، ولدولة عربية معروفة من جهة أخرى، وإن توسل مبررات أخرى كثيرة.
معروف أن حلَّ جماعة الإخوان لن يؤدي إلى نتيجة، وكذلك حل الحزب، لأننا سنكون بإزاء تجربة تركيا من أربكان إلى أردوغان، والأحزاب الإسلامية لن تقول إنها أحزاب دينية، ولا يحتاج الناس إلى نصوص في برامجها أو وثائقها لكي يعرفوا توجهاتها أو توجهات من ينتخبونهم من رموزها.
هي معضلة كبيرة يعيشها القوم في مواجهة مجتمع متدين، لكنه يريد حريته أيضا، ولا مجال أمامهم تبعا لذلك غير الاحتكام لرأي الصناديق. نقول ذلك، فيما لم تُحسم المواجهة مع الانقلاب أيضا، لكن الليبراليين واليساريين وبعض القوميين يستبقون الأحداث للبحث عن حل لمعضلتهم مع الدين والتدين في المجتمع المصري، هم الذين يتمنى بعضهم أن تختفي المساجد كلها عن وجه الأرض، ليس بسبب مصاريف الكهرباء كما ذهب أحدهم، أو رواتب الأئمة، بل لأنها تصرف الناس عنهم وعن خطابهم. العرب القطرية.
ياسر الزعاترة
كيف يواجه الليبراليون واليساريون التدين في مصر؟! 1329