لا يختلف اثنان حول أهمية الماء لكل كائن حي على وجه الأرض، لكنه بالنسبة للإنسان الذي خلق للعبادة أكثر أهمية من أي كائن آخر، فبالماء تستقيم وتيرة المعاملات السلوكية لما له من تأثير في إطفاء غضب النفس وصرعة الأعصاب المتعبة، وهل هناك أفضل من شربة الماء الهنية أو غُسل يتهيأ بعده جسد الإنسان للحياة من جديد؟ نفقد القيمة المعنوية للماء يوماً بعد يوم إثر تضاعف قيمته المادية وبقاءنا ضمن سياسة اللا مبالاة والمسؤولية القاصرة، فإذا كان مجتمعنا لا يجيد إتقان فن القيادة الذاتية، هل سيكون قادراً على قيادة محيطه القريب أو البعيد لتحقيق نوعاً من الإحساس بالمسؤولية الفردية؟..
في الحقيقة لا أعتقد ذلك، لكن على كل حال نحن أمام مشكلة كبيرة جداً بالنسبة لما يتعلق بالمياه، فالأرواح تكادُ تجف إثر جفاف الكثير من المناطق التي كانت غنية بالمياه ومع هذا فلا زال ترشيد الاستهلاك فكرة غائبة عن أذهان الجميع، وفي الوقت الذي تذهب فيه الماء هدراً في بعض الأحياء يشكو سكان أحياء أخرى شحة مياه المشروع لدرجة انقطاعه لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر ومع ارتفاع أسعار الشحنة لسد الاحتياجات اليومية مما يجعل أيسر الطرق بالنسبة لهم طلب السٌقيا من المساجد أو بعض الآبار المترامية هنا أو هناك وعبر تلك القناني البلاستيكية التي يحذر الأطباء من استخدامها مراراً لما تفرزه من مواد مسرطنة ولما يتكون من مواد سامة بداخلها إثر الاستخدام المتكرر لها.
وإذاً فنحن بحاجة إلى التوعية ثم التوعية ثم التوعية فيما يخص ترشيد استهلاك هذه النعمة التي باتت بعض القبائل في صبر وفي غير صبر تقتتل عليها، ونخاف أن تكون حالة الجفاف التي مررنا بها هذا العام عقاب من الله على الدماء التي سُفكت ظلماً وعدواناً ولازالت تُسفك حتى اليوم في كل مكان في اليمن. الماء ثروة طبيعية لا يمكن أن تقدر بثمن، وهو سبب من أسباب الحياة على وجه البسيطة، ومن أهم ما يمكن أن يُعمد عليه لاستمرار صحة الجسد ونقاء البدن من الأمراض والأسقام التي تكون شحة الماء سبباً فيها سواءً من الداخل أو الخارج فلا يجهل أحد أهمية النظافة والاستحمام للإنسان ومدى تأثيرها على راحته النفسية ومزاجه السلوكي، لكن تخيلوا قرائي الكرام حين يكون الوضع كما هو اليوم، شحة في الماء تتبعها شحة في السلوك حتى أصبحت طبائعنا حادة وآراؤنا متشرذمة ويسكننا الجوع للاستقرار.. تخيلوا صعوبة الوضع في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى الهدوء والسكينة حتى تكون توجهاتنا وقراراتنا صحيحة وقوية. يا الله كم من الظلم نواجه، ظلم مفروض علينا من أنظمة أهدرت ولازالت تهدر أموال الشعب في مشاريع لا جدوى منها على حساب مشاريع أساسية وحيوية، وظلم ينبع من أنفسنا لأنفسنا حين لا نكترث لما تبقى من الثروات في متناول أيدينا ما من حلول سحرية سوى التوعية بالترشيد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
ألطاف الأهدل
الماء، ثروة مهدورة 1527