ما يجري في مصر ليس معركة بين القوميين والإسلاميين ولا بين القوى الثورية، ما يجري هي معركة بين الماضي والحاضر والثورة والثورة المضادة، بين إرادة الشعب والعسكر وقريباً سيصطف كل الثوار وأطراف الثورة في أماكنهم الصحيحة لحماية الثورة؟ هناك خدعة صنعها الإعلام والمال القذر سينتهي سحره إن لم يكن قد انتهى فعلاً بفعل وعي شعب مصر وثوريته وحساسيته العالية المنتصرة لكرامته التي حاول الصغار تلطيخها والاستخفاف بها، ومن يحاول أن يجعل الصراع أيدولوجياً, فهو يريد أن يضرب القوى الثورية ببعضها باعتباره السلاح الأمضى لتدمير الشعوب.
الصراع بنظري ليس على هذا النحو كما أنه ليس صراعاً إسلامياً ليبرالياً وإسلامياً علمانياً فجوهر الصراع الذي يجري اليوم في مصر وفي بلدان الربيع العربي وما جاورها هو صراع بين الاستبداد والديمقراطية بين الحرية والعبودية بين استقلال الشعوب وتبعيتها, بين أن تأخذ الشعوب قرارها وتحكم نفسها وتستفيد من ثروتها وبين ارتهانها للقوى الخارجية دولية أو إقليمية وهذا لن يتم إلا في وجود حكم استبدادي عسكري على وجه التحديد وهو ما بدأ يتضح يوماً بعد يوم للقوى وللشخصيات الوطنية في مصر التي بدأت تصطف فعلاً إلى جانب الثوار لاسترداد كرامة الشعب المهدورة؟ لأن الكرامة التي أهدرت ليست كرامة الرئيس (محمد مرسي) ولا الإخوان المسلمين وإنما كرامة الصوت الانتخابي للشعب المصري وثورته المباركة وللعملية الديمقراطية والحلم العربي بالتحرر...
وقضية إسقاط الانتخابات بانقلاب تم تغطيته بصناعة حشد عابر؟ قضية سخيفة تحتقر الشعب ويديرها رأس المال المنهوب وقوى المال الخارجي والأجندة الاستعمارية التي لا تسعى لكي تكون مصر دولة ديمقراطية لأن هذا ليس في مصلحتها ويهدد الحليفة إسرائيل التي احتفلت بسقوط الانتخابات ممثلة بالرئيس مرسي وعودة العسكر كما احتفلت بأهم انتصاراتها؟ وهناك صحف إسرائيلية اعتبرت سقوط (مرسي) أهم من انتصارها في حزيران67م؟
إن الثورة في الشارع ستصحح كثيراً من الأخطاء التي وقعت فيها أطراف الثورة والقوى الوطنية وعليها أن تخوض المعركة لإسقاط الانقلاب والأخطاء التي مورست من أي طرف حتى ينهض الشعب ويستعيد شعب مصر إرادته التي تعبر عن إرادة جماهير الأمة العربية التي تقاوم بكل ما لديها للخروج من النفق المظلم الذي تعيش فيها منذ القدم ؟.
إن خصوم الشعوب سيحاولون جاهدين الزج بالقوى الوطنية بخصومات سياسية عقيمة أو حتى فكرية وايدلوجية تخلصت منها أو قطعت شوطا في التفاهمات المنطقية لإدارتها، والمراجعات المهمة التي يستحيل بدونها أن تتمكن هذه القوى بخدمة الحرية وإنجاز مشروع وطني قائم على قاعدة المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص والتبادل السلمي والنزيه للسلطة.
أحمد عثمان
حقيقة الصراع 1745