وأخيراً وبعد طول انتظار سيطل علينا شهر رمضان عبر نافذة الزمن الذي لا يتوقف إلا متى ما شاء الله، جاء رمضان وولى قبله رمضان ولازالت أيدينا مرفوعة ليعيد الله لهذا الوطن الطيب روعته وبهائه.
إنه واحته النقاء ورامه الصفاء، شهر الحب والسلام، شهر الهداية والقبول، ملتقى القلوب مع خالقها، بشر تضيق بهم الدنيا بما رحبت حتى يصل المرء منهم إلى مرحلة صمت قاتل وحتى يظن أن الحياة قد أطبقت بكفيها على صدره، فهو هالك لا محالة، فيأتي موسم الأمن والطمأنينة والخير والرضا ليذيب جليد القلوب ويمحو رانها وما تراكم عليها طوال عامٍ كامل من قذارة الحياة وأوساخها، يأتي رمضان كيد أم حنون تمسح على جباهنا وصدورنا فتهدأ عواصف أفكارنا ونعود من زحمة الحياة وضيق تضاريسها إلى سعة الرحمة الإلهية ورحابة المغفرة الربانية. هاهو موسم جديد للتوبة يأتي ومنا من لازال متأبطاً سيف الحمية شاهراً في وجوه الناس سطوته وضارباً بحقوق الضعفاء عرض الحائط وكأن الأرض خالية من الناس إلا هو.. يأتي رمضان ونحن في ظل حكومة انتقالية تسير على وقودها الاحتياطي وشعب يستنفد طاقته في الذود عن حمى الوطن ضد فصائل سياسية وطائفية تتغلغل في نسيجنا الاجتماعي خلسة عن رقابة حكومية غائبة وحذر مجتمعي مفقود وبنية ثقافية جديدة تختلط فيها كل معاني الشر والخير في وقت واحد. جاء موسم جديد لا يتكرر كلما أردنا ذلك ولهذا من الحكمة أن نستغل تفاصيله في القرب من خالق السماوات والأرض، مسبب اليُسر والعُسر، جاعل الخير والشر، من يفتح أبواب الخير وهو الغني عن عطائنا ويغلق أبواب الشر ونحن أبخل ما نكون عن طلب رضاه، يحرك ما سكن ويستر ما بطن رحمة ورأفة وهو القاهر القادر.. في أيام كهذه لا يجب أن ننحرف عن قبلة الدعاء أو نحيد عن سراط التوبة أو نميل عن طريق الإلحاح بطلب الغوث، فما يعانيه وطننا ليس بالأمر الهين وما ينتظرنا من مهامٍ جسام لا يجيد معها إلا وقفة طويلة في محراب النجوى، لعل الله أن يرحم هذا الشعب بدعوة فقير مخلص النية أو ضعيف صادق الوعد أو صغير طاهر القلب أو كبير ذي توبةٍ نصوح، فلنقف إذاً بين يدي أيامٍ من الدهر أمام الجليل المتعال الذي إن أراد أن يفرج الهم يكون ما يريد وإن أراد أن يرحم الضعف يسبب الأسباب، لنكن في صفوف التأبين العابدين، لنلهج بذكر الذي قدر ما كان علينا ووحده يقدر أن يقلب الأمور كما يقلب القلوب والأبصار، لنسأل الملك الذي لا تنتهي خزائنه، ولنطلب القوي الذي لا يخذل من استجار بقوته، فلنترك هذا التخاذل وهذه الغفلة ولننتشل أرواحنا من قبور أجسادٍ متثاقلة وعقول لا تستذكر إلا نكبات الأيام الخوالي.
ألطاف الأهدل
رمضان جانا وفرحنا به.. 1535