في زمن التلاقح الثقافي والمعلوماتي لم يعد من السهل التحدث عن حقيقة إعلامية أو مجتمعية واضحة خاصة وأننا نعاني وبشده من ظاهرة المزج المعرفي والذوبان الاقتصادي الذي أصبح يشكل مطرقة تقرير المصير العالمي ومنه انحدرت وتفرعت أشكال الخضوع والتبعية والولاء الشرقي خلف سياسات الغرب.

ومن المؤسف أن تكون إحدى تلك السياسات الانتقامية سياسة استخدام الإعلام كوسيلة لإحلال أشكال السلوك الاستهلاكي الهابط محل القيم والمبادئ الراسخة ديناً وسلوكاً.

ولعلنا نلحظ تلك المحاولة التي يفتعلها التخطيط الغربي لتحويل أنظار الشباب صوب ثقافة الذات التائهة ووضع خيارات التقاطها ضمن اطار محدود في توجهات وظيفية رائجة لكنها خالية من الهوية الإسلامية تماماً ومفتقدة للتوازن الأخلاقي وعائمة بين تيارين متناقضين، ورأيين مختلفين يوشك أحدهما أن يلغي وجود الآخر.

وما تبثه وسائل الإعلام المرئية اليوم من برامج منافية للخلاق الاجتماعية العامة وغير موائمة للعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية يعد دليلاً كافياً على وجود النية السيئة الهادفة لإغراق مجتمعاتنا العربية في بحر الفساد الأخلاق5ي والانحراف عن جادة الصواب الديني بعد انتشار القنوات الطائفية التي تسعى لإثبات وجودها كمحركات مستقلة ومدعومة بقرارات عالمية ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب.

ولعل تلك الحركة الخفية التي تدور خلف كواليس بعض منظمات المجتمع المدني والمتوافقة تماماً مع اتفاقيات دولية موقعة وتخطو نحو أرض التنفيذ الفعلي وفق برامج ميدانية مغلفة بالمبادئ الإنسانية وداعية إلى تمجيد الحقوق والحريات الإنسانية وتحقيق العدالة والمساواة بين البشر لكنها في نفس الوقت تدعو إلى الخروج عن تحكيم الشريعة لكثير من القضايا الإسلامية الإنسانية الخاصة، كما أنها وبأشكال متعددة تدعو إلى إزالة تلك الحدود الشرعية بين الجنسين وكأنها كتاب للقواعد السلوكية الغربية المتبذلة على المستوى الأخلاقي تدرسه أيدٍ خفية لا نعلم عنها شيئاً سوى إنها مستخدمة لتنفيذ أجندة ثقافية سافرة ولربما استطعنا القول بأن الإعلام ربما قدم مادته بشكل نظري تاركاً المجال لتلك الأيدي الخفية لتنفذ مادتها بشكل عملي وسريع وبطريقة مواكبة للأحداث التي يمر بها المجتمع بعد أحداث سياسية مريرة قلبت كيان المجتمع المحلي رأساً على عقب وأظهرت تفاوتاً طبقاً على مستوى الرأي العام داخل المجتمع وأدت إلى تغيير نوع الوسائل والأدوات المستخدمة لإحداث التغيير، بالإضافة إلى أنها كحركة تاريخية عميقة أدت إلى تغيير نوع وحجم الأهداف التي من أجلها تقوم الثورات وتتحرك المجتمعات باضطراد بين جيل وآخر أو حقبة زمنية وأخرى.

الآن تكون مزودة ببرامج توجيهيه وأهداف قيمية وقومية قوية تستطيع أن تحدث اكتفاءً نوعياً بإعلام يحترم عقلية الإنسان ويقدر أعراف المجتمع الذي نعيش أفراداً فيه.