لا تقل معاناة هذه المنطقة عن معاناة (بير باشا) في شحة الخدمات الجمالية وشحة العقليات الوطنية التي تقطن مساحة جغرافية صغيرة وترى في السلاح لغة التفاهم الأكثر اعتباراً في هذه المرحلة.
الغالبية هنا من البسطاء، العامة, التي تريد أن تعيش، لكن الفئة المسؤولة عن إحداث الفوضى فيها فئه مدعومة برأي قبلي ووجهة نظر عرقية يرعاها بعض الكبار ممن وقعنا وإياهم وثيقة الشرف الوطني مع محافظ تعز كأبناء مخلصين للمحافظة ومحبين للأمن والسلام الذي كان يسكن ربوعها قبل أحداث سياسية أنست البعض إنسانيتهم وجردت آخرين من آدميتهم وفتحت أبواب التمرد والعصيان المجتمعي أمام بعض ضعفاء النفوس من الماهرين في اصطياد الكوارث وجمع مخلفات الأزمات!..
عصيره تكتظ بالمسلحين وتتزايد فيها جرائم القتل والاعتداء وتغيب فيها العقلية المسؤولة عن السكينة الوطنية, بينما تغذي أحداث القتل والاعتداء فيها أيادٍ ملطخة بالجهل والهمجية والعبث الأخلاقي.. يعرض الفراغ شباب عصيفرة في سوقه كأردأ ما يمكن أن تكون البضائع وأرخص ما يمكن أن تكون الأثمان، فراغ وجهل ولا مبالاة وانتساب لقافلة المسحلين الجدد الذين يرون في أصوات الرصاص نغماً شجياً يشق سماء الطرب!.. شباب وأطفال يغرر بهم كبار يشيخون كل يومِ ولا تشيخ نواياهم نحو هذا الوطن الجميل المعطاء.
كانت عصيفرة قبل سنوات عدة منفى للمهمشين وبعض البسطاء من أبناء الريف المحلي في تعز, لكنها اليوم ليتها كذلك على مستوى البنية البشرية التي أصبح قوامها مغتربين يمنيون في السعودية, أسهمت غربتهم في تحسين البنية المعمارية لعصيفرة وما تبعها من حركة سكانية نشطة جعلتها أكثر ازدحاماً عن ذي قبل, لكنها تبقى تلك المساحة الجغرافية من تعز التي يخشى كثيرون السكن فيها أو حتى المرور عبرها إلى مقوات المدينة الأكثر شهرة, كونه بوابة السوق المؤدية إلى مخلاف تعز ومناطق أخرى يفصلها عن المدينة سد الأعامرة وسائلة المقوات، السائلة التي تتبلع كل عام ما يطيب لها من البشر والدواب ومساحات الأرض المجاورة, كون المنطقة هناك منطقة ترابية زلقة جداً.
وبعد فإن بعض مناطق تعز تحتضر بصمت بعد أن غيبتها الأحداث عن خطط التنمية وبعد أن أصبحت محميات بشرية قائمة على الوصاية المسلحة، الوصاية التي لم تحمِ إلا نفسها ولم تحفظ إلا ماء وجهها.. وليتها فعلت!.
عصيفرة لا تخلو من أبناء تعزيين مخلصين قادرين على البناء والعطاء ونبذ لغة العنف والاعتداء، لكنها أيضاً بحاجة إلى تعزيزات أقوى ولجان حماية أكثر حنكة وتدرباً على السيطرة الأمنية, كونها رضخت طويلاً لسلطة التقطع والتمترس والنيابية المرتجلة وسوق المقوات شاهد لكل من لم يشاهد.. والمطلوب من سلطة المحافظة أن تفرض وجودها في مثل هذه المناطق الآهلة بسكان يمجدون لغة القوه أكثر من لغة العقل.