يا له من عالم رائع جميل، نفشل كثيراً في التواؤم معه واستغلال لحظات الصفاء فيه وتحويل سلبياته إلى إيجابيات والاستعداد لنكباته بشيء من الرضا والقناعة والإيمان والأمل بأن الغد القادم أجمل وأروع.. أحب لو أن كل إنسان منا أجاد قراءة هذا الواقع وإدراك أن لا شيء فيه يدوم على حاله ويبقى على سجيته ويستمر على طبيعته، الحياة مليئة بالمتغيرات لكنها مشحونة بمفاجآت جميلة، تأمل أجنحة الفراشات، راقب شروق الشمس وغروبها، ورافق أسراب الطيور بأجنحة عينيك وهي تحلق بعيداً باحثة عن وطن..
قطرات المطر تتلاطم بين سماء وأرض، سحاب تتدلى مداعبة وجه الأرض، ثم لا تلبث أن ترحل، أزهار ترتفع أعناقها نحو الشمس، وأخرى عاشقة لليل، أشجار وثمار، نكهات ومذاقات، أودية وتلال، أنهار وبحار.. جمال ما بعدهُ جمال، وروعة.. لا تشبهها روعة. تأمل أعين القطط، فرو الحيوانات البرية المنحوت بالفخامة والدهشة، تأمل وجوه البشر، تفاصيل حياتهم ومسلسل الأحداث الأبدي الذي يعطيهم دور البطولة حيناً ويسلبهم إياها حيناً آخر..
في الحياة الكثير مما يمكن أن يسعدنا ويدخل السرور على أنفسنا، كما أن فيها ما يمكن أن يدخلنا في غيبوبة التشاؤم التي من الصعب الخروج منها بين عشية وضحاها دون أن ندفع الثمن..
في الحياة أبواب لا تغلقها مفاتيح الظلم والبطش والكبرياء والتعالي على الخلائق، هي أبواب خلقت لتبقى مفتوحة رغماً عن أولئك البشر الذين مُزجت دماؤهم بدماء الغدر والنكاية والتدليس، فأصبحوا يبيتون على همٍ ويصبحون على ضغينة، هؤلاء لا سلطة لهم على أبواب خلقها الله كما خلقنا ولن يغلقها إلا بعد أن تفنى الإنسانية وتذبل أغصان الحياة وتبدأ فصول قصة ذلك الخلود الذي لا ينتهي.
وفي الحياة قيم متوهجة، تزدان بها جباهُ البشر وتتحلى بها أجسادهم، كل قيمة منها قد لا تعدل ملء الأرض ذهباً، إنها الفطرة المتزنة والمتجانسة، شيء من الفرح وأضعافهُ من الترح والكثير من القيم التي ترضينا بالقليل وتحمينا من أن نغتر بالكثير، ما دامت عقيدة الجزء والكل راسخة في قلوبنا رسوخ الجبال، وما دام الإيمان في قلوبنا قائماً بأن الأمر لله من قبل ومن بعد..
في الحياة الكثير مما يجعلنا أكثر يقيناً وإيماناً وسعادة، لكننا نغمض العين ونغض الطرف ونتحاشى بلوغ القناعة، نسرف على أنفسنا في الجحود كما نسرف عليها بالطغيان، ونزيغ عن السراط في قرار مصيري لا مسؤول، نحيا في بعض زوايانا البعيدة عن الضوء والدفئ ورطوبة المشاعر حتى تتحلل أطرافنا وتجف منابع البذل فينا ونذوي كرمادٍ اشتدت به الريح في يومٍ عاصف.. في الحياة ما هو جميل أو قبيح، طيب أو خبيث، نافع أو ضار.. فيها من كل شيء نقيض ولكل شيء ضد، نلمس الضد ونفقد النقيض ونتباهى بأننا نعيش، بينما نموت كل يومٍ قبل أن نرى الحياة كما هي، جميلة، نقية، عذبة، حلوة... بل إننا لا نرى أن أجمل ما في الحياة نحن.. نعم نحن.
