الموت الذي نهرب منه كما تهرب الشمس كل يومٍ من مصير الإشراق إلى مصير الغروب كل يومٍ ودون أن يكون لها الخيرة أو القرار, لكنها تشرق وتغرب طائعة مسلمة لربها ومستسلمة له..
نواجهه في أكثر لحظاتنا ضعفاً ونتحاشى التفكير فيه في أكثر لحظاتنا قوةً وبهاءً وانتشاْء.. المصير الذي نؤمن به ونخشاه أو قد نتطلع إليه ونسعى للقياه, الحقيقة التي تخفي معالمنا بعد حقيقة الحياة التي أبرزت كل تضاريس حياتنا للوجود, القاعدة التي نزن عليها حقائق البقاء والفناء والثواب والعقاب والزهد والغرور والطمأنينة والفزع..
إنه المحطة ما قبل الأخيرة لحياة عذبة دائمة أو عذاب دائم لا ينقطع إلا برحمة الله ومشيئته, لم نذق بعد طعم الموت, لكننا تذوقنا مرارته في أعين الذين رحلوا أمام أعيننا ممن نحب حتى كادت أرواحنا ترفرف بلا أجنحة!! جوار أرواحهم المحلقة في سمائه, لم نرشف من كأسه المهيب, اللهم إلا في لحظات الألم أو الحمى التي تتغشى الخلائق وتسكن في أجسادهم حيناً من الدهر ثم تنصرف كزائرٍ خبيث!.
لم نر عزرائيل لكننا سمعنا عنه وأدركنا أثره حاضراً في كل صورةٍ مفزعة من صور الموت التي تخلد الغادين عن سوق الحياة في ذاكرة النسيان الأبدية.
رأيتهُ ينزع روح أختي بهدوء حتى قرأت في عينيها حالة الذهول عن دنيا كبيرة أمست لا تساوي عندها جناح بعوضة, دنيا صاخبة, واسعة, مترامية الأطراف, نتمنى أن نحوز كل ما فيها, لكننا وحين نشعر بمخالب الموت تنهش في تلابيب أرواحنا نزهد, نزهد حتى في أنفسنا التي كانت قبل ثوانٍ معدودة أثمن ما نملك وأغلى ما نحب.
الموت الذي يقطع طريق الأمل طولاً وعرضاً, يوصد أبواب الفرح ويغل يداً ممدودةً بأنواع العطاء يغترف من جودها قريب وغريب.. إنه القدر الذي يوقف سيل الأمنيات الصاعدة إلى سماء الوجود دون حدود أو قيود, لكنه في ذات اللحظة ذلك الدرس الصعب الذي نتعلمه ونعيش تفاصيله ونعاني صعوبة استيعابه, ثم ننساه ونستدبر الغاية التي جعلتنا تلاميذاً صغاراً على مقاعده, لكنه يعود لينتقي قريباً أو جاراً أو عابر سبيل ليضمه إلى قافلته دون عناء وعندها نعود كما عاد, نتألم ونتعلم, وسرعان ما ننسى ونذكر, تماماً كما نشكر ونكفر!.
الموت, باب الخلود, أرض لا تنبت إلا الحزن ولا تثمر إلا الدمع ولا يسكنها إلا صدى الصمت بعد صوت الدهشة المدوية في أرجاء الروح الخاوية من كل شيء إلا الفناء.. الموت.. الرحلة التي تبدأ وتنتهي في لحظة واحدة.
ألطاف الأهدل
إنهُ الموت..! 1415