لم تعد الأم هي المدرسة التي إذا أعددتها أعدت شعباً طيب الأعراق, خاصة وأمهات اليوم هن خريجات فصول مدرسة الإعلام التي يديرها بامتياز حضرة الأستاذ "t.v".. فأمهات اليوم لم يعدن تلك الأمهات اللاتي يشددن الأزر ويعقدن المشورة ويسدين المعروف ويجدن صناعة الأبناء خوفاً من الله وطمعاً في أداء الرسالة كاملة غير منقوصة, بل هن اليوم من يدفعن "البعض منهن وليس الكل" وعن علم أو جهل إلى الخروج عن عبادة أو عادة, وقلة توجيه إلى ما ينفع وكثرة ترغيب إلى ما لا ينفع أمهات اليوم هن السبب الرئيس في هشاشة المجتمع وضعف علاقاته الاجتماعية لأنهن انشغلن عن تربية النشء بتربية انفسهن واكتفين بالمدرسة أو أجهزة الإعلام المختلفة لتحقيق مبدأ التربية الشاملة, دون أن يتعطفن بمراقبة التفاعل بين الصغار وبين هذه الأجهزة الصماء عن كثب.. فالمدرسة تحمل نفس العينة من نساء اليوم, معلمات ذات جاهزية رديئة لحمل مسؤولية التعليم, لأنهن يرين أنه مجرد تفريغ لنصوص معلوماتية من قالبها الورقي إلى عقول التلاميذ عبر صوت مرتفع وعصا دائرة وألفاظ مستفزة ومثبطة لهم الطلاب ثم حصيلة رقمية لا تسمن ولا تغني من جوع.. والوسائل الإعلامية على مختلف أشكالها ومدى تأثيرها عبارة عن حارس خائن, عديم الضمير, مسلوب الكرامة, وربما أكثر من هذا وأعم وأخطر.
فالتلفزيون مثلاً من وسائل الإعلام التي تشاركنا تربية الأبناء رغماً عنا خاصة في ظل انعدام الرقابة الإعلامية لقنواته العامة والمشفرة فانحصار توجهها البرامجي في مخاطبة الحواس والغرائز وتهيئتها لتكون مناطق جذب وترويج لأفكار النفس الأمارة بالسوء وبقالب اجتماعي أو كوميدي أو سياسي ذكي ينفي وجود الأدلة الكافية لأن يكون هذا الجهاز متهماً وحيداً بقتل القيم الأخلاقية على ساحة إعلامية مشحونة بقنوات لا أخلاقية عديدة يمكن أن تصنف ضمن قائمة المتهمين الأساسيين في زعزعة الأمن الأخلاقي في مجتمعاتنا العربية بشكل عام ومجتمعنا اليمن بشكل خاص, لأننا لم نحصل على جرعة التحصين المتكاملة قبل أن نصاب بفيروس الإعلام الإلكتروني المنتخب كأفضل وسيط لتحقيق التواصل الاجتماعي في الوقت الحاضر وفي ظل غياب دور المسجد كمدرسة ابتدائية للطفل وانحصار دور المدراس في تفريغ محتوى مناهج الدراسة دون التطرق لغرس قيمة أو بذر فضيلة سلوكية أو نزع توجه لا أخلاقي لدى مرتاديها مع انشغال الآباء والأمهات بما يحول دون أداء الرسالة التربوية على خير وجه وأكمل صورة.. في ظل هذا بمجمله ظهر هذا الجيل المندفع والمستهتر في تبليغ رسالته الإنسانية والدينية والمتثاقل عن فهم أصول دينه وحقيقة معتقداته والمكتفي بالزهيد واليسير مما يسد الرمق الفكري والأخلاقي.. لذا كان هذا الجيل ضعيف القوى, ركيك الإحساس بالمسؤولية, عديم التطلع للأفضل, شديد الاكتفاء بالموجود, عاجزاً عن البحث في وسائل الفهم والقياس والتجربة.. ولعلي أؤمن كما يؤمن سواي بأن أساس نهضة أي مجتمع تكمن في جملة قصيرة جداً, لكنها أعظم ما يكمن قوله: "أم فاضلة", فهي الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات الراقية, ولعلنا في اليمن نملك أمهات فاضلات, لكنهن غير قادرات على إنجاز مهمة الأمومة بنجاح بعد أن أوكلنها لقطع الحديد والخردة الناطقة.