نخطئ الاستفادة من تلك النعم الجليلة التي أسبغها علينا الخالق في أخلاقنا أو تصويرنا الجسدي أو بنيتنا العقلية أو طموحنا الذي لا يعرف حدوداً ولا يقف أمام عقبات.
نستغل قوتنا في البطش وإيذاء الآخر ولا نفعل ذلك لنصرة مظلوم أو إظهار حق أو إزهاق باطل, نجهل الكثير ونعلم الكثير لكننا لا نحاول أن ننزل ما نعلم منزلة التطبيق والإرشاد والإفادة, حتى أن بعضنا يكتم علماً في مجال من مجالات الحياة وهو يعلم أن من كتم علماً يلجم يوم القيامة بلجام من نار, فلماذا نكون خرساً وباستطاعتنا الكلام؟ ولماذا نصم آذاننا عن الحقيقة وفي مقدرونا أن نسمع ونبلغ؟!.. كثيراً ما نستخدم نعماً كثيرة بشكل يحولها من نعم إلى نقم ونحن بهذا نتحيون حتى نكون من دواب الأرض التي لا تفقه إلا درباً ضيقاً تسير فيه مرغمة وتعود منه مرغمة.. يمنحنا الله أقداماً ويسلبها آخرين.. فلا نتأمل حالهم عاجزين عن السعي وإنما ننسى أننا يمكن أن نكون يوماً ما في مكانهم ونعاني معاناتهم..
نتمتع بيدين وعينين ونعجز أن نصافح أو نسامح أو نخشع وكأن حواسنا أصبحت واحات ناضبة..
نتردد في إعطاء ما لدينا لأننا لا نملك ضميراً حياً ونحاول أن نخفي دائماً ما لا يمكن إخفاؤه, وببساطة شديدة لا نملك جرأة العطاء بدون مقابل فقد اعتدنا أن نأخذ أكثر مما نعطى بكثير...
نحمل حواسنا كأوزار ونتغاضى عن أننا من الممكن أن نفقدها في غمضة عين أو انتباهتها, نفشل في تقييد مشاعر الفضول فينا ونتباهى بالمعرفة ونجعل نعمة إدراك كل ما حولنا نقمة نسقطها على انفسنا كصاعقة شتاء لا ترحم..
نبرع في إضمار الخير المقتضب كومضة برق ونجيد الاستعلاء بشر نرتكبه بحماقة الطوفان, لذا تتحول قدرتنا على التمييز بين الخير والشر إلى نقمة بعد أن وهبنا تلك الفطنة للشيطان وأسلمناه بعدها نواص باتت عاجزة عن النجدين, فتقلبت بين خير وشر وشكر وكفر.
الإنسان منا يعوم في بحر النعم فلا تبتل روحه ويطفو على سطح النقم فلا يبتل قلبه ويغيب عن مصيبة فلا يلهج لسانه بالشكر لخالقه, فحتى البلاء والجزاء والثواب والعقاب نعم جعلناها نقماً بعد أن جعلنا الجزع بديلاً للصبر والخوف خليلاً للطمأنينة والهروب إلى الذات طريقة للبعد عن ذات الله وما عساها تلك الذات الإنسانية أمام ذات الله العليا؟!.. نفسد هدوء حياتنا وسيرها وفق سنة الله حين نجعل الجمال والفطنة والمال والعلم وسواها الكثير من النعم نقماً نعاني وكأنها بعد أن حرفناها عن طريق الحق إلى طريق الضلال وبعد أن فشلنا في أداء حقها الكامل منساقين للنقائص ومنحازين إلى كفة التطفيف وظلم النفس, فهل نعيد التفكير في نعمة أحلناها إلى نقمة جاحدينها وظالمين بعدها لأنفسنا؟!.
ألطاف الأهدل
نعمة ونقمة.. 1433