من الناس أحياناً من يعمل عمل المسمار, يربط الأمور ببعضها كما يربط المسمار القطع المتناثرة ببعضها, يترك أثراً طيباً أو سيئاً كما يترك المسمار ذلك أيضاً.. لكن كلمة "مسمار" التي يتداولها الناس اليوم لا تحمل أياً من تلك المعاني, بل انها قد تكسر وتخرب وتقطع أيضاً, فالفتنة بكل ما فيها من كراهة شرعية وبغض أخلاقي أصبحت مختزلة في هذه الكلمة التي يستخدمها البعض اليوم كأسلوب هابط للإيقاع بزميل أو أخ أو صديق, إنسان قريب أو بعيد, لأن كلمة "مسمار" أصبحت متداولة ككلمة متهورة ولا مسؤولة ومستخدمة بشكل لا أخلاقي يراد به الفتنة على فلان من الناس لأي سبب من الأسباب دون أن يدرك من يقوم بهذا الفعل أن المسمار يحتاج إلى مطرقة لتثبيته وهي الحجة القوية في حال الفتنة المدبرة, والحجة القوية ينبغي أن تبنى على أدلة وشواهد واضحة.. ولما كان ذلك غير ممكن بشكل مطلق فإن الـ "مسمار" الذي يحاول صاحبنا أن يثبته على جدران الآخر يتحول إلى عود ثقاب هش قد يحرق أصابع المريد للفتنة قبل أن يتحول إلى مجرد شيء صغير متضخم.
تلك المسافة بين رأس المسمار ورأس المطرقة لا تتكون إلا بفعل غياب الضمير الحي واليقظة الإنسانية بوجود القدرة الإلاهية التي يمكن أن تقلب موازين الكون في لحظة, مسافة لا يمكن أن تنشأ إلا في ظروف أخلاقية منطوية على إصرار ينكر ذات الآخر ووجوده ونصيبه المكتوب من الرزق والصحة والوجاهة والعمل.
وكما يسهل تثبيت المسمار على جدار هش يسهل تقديم الـ "مسمار" الإنساني إلى من كانت عقليته هشة وخاوية من الحكمة والقدرة على استبيان الحقيقة أو على الأقل إدراك وجودها.. ولأن الفتنة نائمة وملعون من أيقظها فإن الـ "مسمار" غالباً ما يرتد إلى نحر صاحبه مثله مثل أي لعنة تطوف سماء الحق ثم تعود إلى صاحبها بعد أن تعجز أن تكون ظالمة وهي مجرد كلمة لا قلب لها ولا لسان, والآن ما عساها تلك الجائزة وما عساه ذلك الثمن الذي يمكن أن يقبضه صاحب نظرية المسمار الذي يجهل أو يتجاهل وجود المطرقة التي قد ترتد ضربتها القاتلة إلى وجهه؟!
ودون سابق إنذار قد يجد هذا المبدع في مجال صناعة الـ "مسامير" الإنسانية وفي مجال براءة الاختراع الشيطاني, قد يجد نفسه يعلق وحل الفتنة التي جعلها في كأس الآخرين, ثم ما لبث أن استمرأها صاغراً وراغماً وصامتاً!.. فما الذي يستطيع أن يقوله من حفر لأخيه حفرة ثم وقع فيه؟!.. لمثل هؤلاء نقول: تذكر وأنت تثبت المسمار أن خلفك مطرقة كبيرة يمكن أن تجعلك شيئاً واحداً مع ذلك المسمار.
ألطاف الأهدل
مسمار ومطرقة! 1599