نمرُ كل يوم على الف وجه ووجه, يحمل بعضها علامات التعب وترتسم على بعضها علامات الهدوء والراحة, تنكمش تضاريس بعضها حتى تصبح, طلسماً وتنفرج أسارير أخرى حتى تشعر أمامها أنك امتلكت خارطة الطريق إلى دنيا الأمل.. وبين هؤلاء, وأولئك نقف طويلاً أمام وجوه تكسرت بالوقار وحفت أطرافها العفة والطهارة وأخرى نتمنى أن لم تكتب لنا أقدارنا فرصة الوقوف أمامها ولو للحظة, فمهما بدت معالمها مسترخية وهادئة إلا أن مسحة اللؤم لايمكن أن تخطئها الفطرة أو تنكرها غريزة العفة..
وجوه تشعر أنك تعرفها منذ زمن بعيد, بينما تتهالك نفسك غربة ووحدة وأنت تخاطب عقولاً كستها وجوه كأنها ليست من عالم البشر..
وجوه مألوفة وأخرى غامضة, بعضها يشبه بعضها, والكثير منها لا يشبه إلا نفسه, تشعر أمام بعضها بالخجل وتتجرد أمام الكثير منها من كل حواجز الحياء!. وجوه يصل حد الوقاحة فيها إلى تسخير حواسها لإقتحامك والعبث بإنسانيتك, وأخرى تحيطك حواسها بالرعاية كما لو كنت صغيراً جداً بحجم عقلة أصبع...
تمر أمامنا وجوه نعجز عن التنبؤ بحجم عنائها, وأخرى تعرض تاريخها عبر أخاديد غائرة حفرتها شلالات حزنٍ تنحدر كحمم البراكين التي يقذفها قلب الأرض كمداً وحسرة.
وجوه نصدقها وأخرى نكذبها, نقرأ بعضها ونعجز عن فك شفرات أخرى, تعيش متقوقعة حول ذاتها.. وجوه تحملها أجساد, ووجوه أخرى تحمل أجساداً في أحادقها, فلا ترى أمامها شيئاً جميلاً ولا تستشعر لذة مشروعة وإنما تبحث عن تأثر قديم وحقد دفين.
وجوه تبقى في ثياب الطفولة مهما بدت عليها علامات الشيخوخة, وأخرى شاخت قبل أوانها في رحلة لا إرادية عبر الزمن, زمن سلبها رؤية معالمها وأنساها أبجدية تفاصيلها وشغلها عن الوقوف أمام مرايا لا يختلف ظاهرها كثيراً عن باطنها, وجوه تشبه الطبيعة في عطائها وأخرى تشبه الطبيعة في غضبها وثالثة بين هذا وذاك صامتة لا ترعد ولا تمطر لكنها سرعان ما تختفي في ثنايات الموت هاربة من حياة لم تستطع أن تألفها, فحواسها معلقة بمن هو أعظم واقدر وأرحم وأجل..
وجوه موسومة بالصلاح وأخرى بالغواية, فإذا هربت من التأمل في تفاصيل الوجوه أين يمكن أن تستقر عيناك؟!.. وجوه البشر خرائط تفضح نواياهم وتستعرض هفوات مشاعرهم, ولا تستطيع أن تخفي ما يمكن أن تخفيه قلوبهم, وجوهنا مرايا لأرواحنا وعبرها فقط يمكن أن نكون أو لا نكون في قلوب من نحب أو يحب.. إنها مساحات الهدوء والفوضى, والحزن والفرح, الرضا والحرمان والراحة والتعب, هي مفاتيح غرائزنا وأقفالها وأبوابها التي تنصت خلفها أحاسيسنا دون أن تراها أعيننا.
ألطاف الأهدل
وُجُوه...!!! 1522