نحتفل سنوياً بعيد الأم ويوم المرأة وننادي بحقوقها مدركين أو غافلين عن حقها الأساسي في البقاء مؤطرة بالرعاية الأخلاقية والدينية والاجتماعية، حتى نتحول إلى أسراب من البوم التي تنعق بما لا تسمع..
لكننا في خضم البحث عن تلك الحقوق نهمل حقوقاً أخرى أهم وأكبر وأجدر بالمناصرة، إنه عيد الأب الذي لم نسمع عنه، وإن كنت ضد هذه الأعياد التي كثر تعدادها وقل نصابها، إلا أنني أتأمل المسألة من زاوية الإنصاف الإنساني ليس إلا، فهذا المخلوق المعروف باضطلاعه بالعمل والإنفاق والقوامة إنسان مُهمل، (بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتسكين الهاء بينهما)، من قبل المطبلين والراقصين والصادحين باسم الحقوق الإنسانية.. الأب الذي يحتمل برد الشتاء بأثواب الصيف ويتشظى عقبيه حتى كأنهما أخاديد على وجه الجبل باحثاً عن لقمة العيش ومفتشاً عن طعم الراحة لأبناء وزوجة جل ما يتمنى من دنياه أن يبقوا بسلام وغنى عن الناس.. الأب الذي يكدح وينسى نفسه رهينة للشقاء، يشري السعادة بكل ما يملك من طاقة ولا يختزل منها إلا ما يمكن أن يبقيه واقفاً على أرض العطاء اللا محدود.. إنه الأب الذي يحترق دون أن يذوب ويتجمد، دون أن ينكسر ويقف في وجه الريح إذا هبت لتقطع صغارهُ أو تمس أحجار بيته بالأذى، الأب الذي يبني أو يرصف أو يعلم أو يخصف.. الأب الذي لا جزاء يعدل عناءه ولا ثمن يوازي عطاءه، ذلك الجبل الذي يحمي والبحر الذي يحتضن والعزوة التي يبحث عنها الصغار والكبار في كل بيت.. الرجل الذي يقود القافلة ويتقدم السرب ويقف خلف الدفة ويبيع عمره شارياً حياة أبنائه وراحة زوجته، من يستطيع أن يحتمل هموم الحياة ونكد العيش وضنك الخروج إلى سوق مجتمع كمجتمعنا، مجتمع المصالح والمجاملات وتعرية النوايا وبسط فنون الخداع على أرض البيع والشراء بأسوأ ما يمكن أن يوصف من الطرق.. أب قد تدفعهُ أطنان الهموم التي يحملها أحياناً إلى القسوة، لكنها قسوة غير مقصودة أو موجهة أو مبنية على نية مسبقة، قسوة تفرضها عليه ظروف عمل أو طبيعة مجتمع، فهو ينحت بمخالب الصبر والمغالبة على صخرة البقاء بكرامة ومن كانت هذه حاله وهذا ديدنه لابد أن تعتريه لحظات صمت أو ساعات غضب، فالبحث عن لقمة العيش ليس بالأمر السهل خاصة حين يكون من الآباء الذين يتحرون الحلال وينأون عن الحرام.
أين هو عيدك أيها الأب في زحمة الأعياد التي تطرق أبوابنا واجمة وتظل علينا يائسة؟ أين عيدك أيها المناضل في جيش العمل والكد والشقاء؟..
نعم، ليس لتلك الأعياد ثقل، ولا نؤمن بها كمسلمين، فهي ثقافة مستوردة ومعبأة في قوالب بعيدة عن قوالبنا الشرقية ذات الطابع الديني المعتدل المبني على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، لكن كان لا بد لمن هم في مكاننا أن يذكر ولعل الذكرى تنفع المؤمنين.
ألطاف الأهدل
متى يأتي عيد الأب؟! 2135