حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن كالغيث أينما حل نفع" كان قد أوجز كل فنون التنمية البشرية وعلومها في جملة واحدة جمعت كل قيم البذل والعطاء والطموح وإيقاظ الهمة البشرية من مضجع العجز والكسل واللا مبالاة والنأي بالرأي عن أمر المسلمين.
إن للروح الآمنة المطمئنة, المؤمنة برسالتها, بصمة مؤثرة تبدأ من داخل الإنسان ولا تنتهي بذلك الأثر الطيب الذي تدركه الأبصار والحواس في العمل الدؤوب المخلص الذي لا يعرف للكلل طريقاً ولا يمكن أن يعرف الملل طريقاً له.
ولأن لهذه الروح بصمة بيضاء, فهي تظهر كأوضح وأنقى ما يمكن على صفحة الحاضر السوداء التي أصبحت ملوثة بالباطل والشعر والإنحراف عن الصراط المستقيم قولاً وفعلاً, الحاضر الذي نكأ جراحات الماضي ويستنكئ اليوم جراح الحاضر ليبقى المستقبل مشرباً بالعداوة بين كل من شهد معركة الحضارة وبقي قابضاً على الجمر وبين من آمن بها واتبعها وأصبح يرى في الإسلام نقطة ضعف ومحطة إرتجاع وهذه والله فحوى رسائل الصمت التي تتعمدها المجتمعات المترفة في بلاد المسلمين والتي أصبحنا نراها مجتمعات مدبلجة وفق رؤى ولغة الغرب التي يفهمها الضعفاء فقط ويستوعبها المستفيد من تجارة القيم الرائجة اليوم والتي عمت أرباحها بصائر الناس حتى اتبعوها بلا تردد أو خوف على قيمة أو عقيدة..
تلك البصمة المحمدية التي نلمح آثارها في أنفسنا يجب أن تصبح توقيعاً نذيل به خطاب إسلاميتنا القاصرة التي نقولها نطقاً ولا نعي معناها التزاماً, فالإسلام ليس في أثواب بيضاء أو لحى مطلقة أو شوارب محفوفة أو جلابيب مسدلة, إنما الإسلام في قيمة باقية ومبدأ راسخ وعقيدة تهز الجبال, ولم نعرف الإسلام إلا في لين وسلام وتسامح ومؤازرة, فكيف نصدق اليوم من يتحدث عن هذا الدين وكله لؤم وسلاح وتسامق ومؤامرة؟!.
للإنسان فطرة تدله على الصواب ولا أعتقد أن فينا اليوم من لم يتعرف بعد على حلال الأمر وحرامه بعد أن تركنا "صلى الله عليه وسلم" على المحجة البيضاء التي لا يختلف ليلها عن نهارها ولا يزيغ عنها إلا هالك, كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم.. ولو أن كل مسلم منا بحث عن المكان الذي يضع عليه بصمته المناسبة لأصبحت كل زوايا حياتنا وأركان مجتمعنا ناضجة بالقدوات الصالحة في الإلتزام والدقة والحشمة والعفة وحب الخير للجميع, لكننا مسلمون مع وقف التنفيذ, مسلمون بنسبة ضئيلة لا تتعدى لإثبات الهوية وأما ما دون ذلك فنحن مستسلمون لموجة استيطان الهوية المستوردة داخل قلوبنا.
لقد عجزنا تماماً عن إثبات وجودنا كمسلمين ولهذا نعجز اليوم عن إثبات هويتنا الإنسانية, نعجز عن ترك تلك البصمة الإيمانية الراقية وأرواحنا توشك على الإنطفاء في مهب ريح الحضارة العاتية التي احبها أصحابها, لكنها لم تحببهم.
ألطاف الأهدل
بصمة الروح 2084