نشعر أحياناً أن أحلامنا وطموحاتنا وتلك الأمنيات التي تملأ تجاويف أرواحنا لا تعدو عن كونها سحابات صيف تتبدد سريعاً بين السراب حين لا تجد إلى طريق الواقع سبيلاً ولا تتلمس إلى حيز الوجود مساحة احتواءٍ صادقة، لكن حين يحدث ذلك فقط علينا أن نعلم أن الأوان قد آن لنتعلم كيف نحلم ومتى نطمح وأين نضع أمنياتنا، نعم فلا يجب أن تكون أحلامنا ضخمة بحجم المستحيل، ولا ينبغي أن تكون ضئيلة بحجم السفه، وعلينا أن نجيد منذ اليوم أن الأحلام تبدأ صغيرة ثم تكبر وأن الأحلام الكبيرة وصلت إلى هذا الحد من النضج لأنها نفذت من وقود عزائمنا التي لا تمل الحضور إلى صرح الحياة كل يوم مع شمس الصباح الواثبة نحو الأمل.
أحلامنا.. بنات أرواحنا التي تنمو معنا لأنها لا تشيخ أبداً، بل قد تنتقل إلى أبنائنا بالوراثة كما تنتقل إليهم صفاتنا ومزايانا الخلقية والأخلاقية على شريطنا الوراثي غير المنقطع.. نعم وأحلامنا تعكس شخصياتنا من الداخل، وتظهر حجم الخوف أو السلاح الذي تترعرع دونه أرواحنا.. إنها الترجمة الحقيقية للون السلوك المبطن لردود أفعالنا وقدراتنا على التواصل والاتصال بالآخر، لدينا من الداخل محطة استثنائية لا تشبه سواها لدى آخرين مثلها تماماً مثل بصمة اليد أو العين، إنها بصمة الروح التي تجعلنا أجمل وأقوى وأكثر تواجداً وحضوراً عن آخرين أهملوا إظهار أنفسهم وأخفوا بصمة أرواحهم وأكتفوا بأن يعيشوا فقط ليعيشوا، وهم في هذا القرار غير الصائب وجدوا مطلب السكون الذي تتوقف فيه قدرات الجسد عن العمل حتى يتحول الإنسان إلى كتلة بشرية معطلة قد يضر وجودها بالآخرين أكثر مما ينفعهم، وقد يشعرهم باليأس أكثر مما يبعث لديهم الأمل، قد يصبح هذا الإنسان عالةً بجسده وفكره وكيانه الاجتماعي الذي لم يستطع خلق فكرة ملائمة لتحقيق أحلامه والدخول عبرها إلى عالم مشحون بالطاقة.
الإنسانية الفاعلة والمندفعة بقوة الزمن الذي لا يستطيع التوقف أمامنا ولا نستطيع البقاء خلفه، إنها البراعة التي نتعلمها من كل شيء يعيش حولنا كما نعيش حوله، فكرة تبدو في ظاهرها منفصلة، لكننا في الحقيقة باقون وفق سنة كونية واحدة، الجزء يتبع الكل، والكل لا يبدو إلا أجزاءً متساوية، وكلنا يكمل الآخر إنسان، نبات، حيوان، جماد، كلنا أجزاء لا يمكن أن تبدو واضحة المعالم إلا في إطار الكلية الكونية التي صنعها يد الخالق العظيم، لذا نسير على الأرض كما تسير السُحب في السماء، نحتضن أحلامنا كما تحتضن هي حبات المطر، يتبدد كيانها الذي تحمله الريح في لحظة ويبدد الموت الذي يحمله القدر كياننا أيضاً في لحظة واحدة..، نحن نشبه الكثير مما حولنا، والكثير مما حولنا يشبهنا أيضاً، لكننا نختلف في أننا نخطط ونحلم ونسعى لتحقيق أحلامنا ونهدف لوجودنا ضمن مجتمعاتنا الصغيرة والكبيرة، الفرق بيننا وبين كل شيء من حولنا أننا نحيا ونموت لنحيا من جديد، بينما يموت كل ما حولنا فقط لأنه خلق ليموت.. لذا نحن نختلف وهذا الاختلاف هو سر تميزنا، نحن نحلم لنبقى، نبقى لنحلم ونحقق ذلك الحلم..
قد نكون سحاباً نعم، لكننا سحاب واعٍ، يدرك ما تحمل أحشاؤه الطاهرة.
ألطاف الأهدل
سحاب...!!!ّ 1594