نكذب حين نقول أننا وقعنا في حبٍ جديد ونسينا حباً قديماً، فالحب موسم آخر وطقس آخر وفصلُ آخر، الحب عملية جراحية راقية جداً، تجمل، تشذب، تفصل ملح قلوبنا وسكرها عن تلك الرشة العجيبة من بهار الحياة وترمم حواف خواصرنا دون أن تترك ندوباً ودون حتى أن نشعر بوخز مبضعها الرشيق الذي يلملم ما ترهل من جراحنا، حتى بدونا أصغر وأجمل وأرق وأبهى..
ليس من هذا الشعور مهرب وليس من الوقوع فيه لنا مأرب، إنه القدر الذي يسوقك مكبلاً ويدفعك راغباً ويقودك زاهداً في نفسك طامعاً في روح سواك، فأين من هذا الإحساس مناص؟ وأين من هذا الذوبان ملجأ؟.. لذا لا تُقبل توبة المحبين في شرع الهوى ولا تُصدق شهادتهم ولا يُصلى عليهم حين ينقلبون إلى مثوى رغباتهم خلسة عن من بسط إليهم روحه ليكونوا منه ويكون منهم.. في شرع الهوى كل خائنٍ مرتد وليس لارتداده استتابة!، وفي شرع الهوى أيضاً ليس لابتهالات الهاجرين إجابة.. لأننا نكذب، نكذب حين نعلق من نحب بحبال القبول والتواؤم والانسجام، ثم ننسحب، ولو أننا صدقنا معهم ما استطعنا عنهم فكاكاً وما وجدنا إلا إلى سواهم طريقاً ولا عرفنا إلى غير أحضانهم سبيلا.
أي توبة يمكن أن تقبلها محكمة الحب بعد أن تتحطم الأحلام وتذوي الأمنيات وتنكسر أواصر الوله اللذيذ بين روح وروح؟، أي زلة يمكن أن تغفرها قلوب المحبين إلا تلك التي تستغفل الحواس وتخدع الضمائر وتعكر أجواء الصفاء الذي تلهف الأرواح على الولوج إليه والمكوث في رحابه والارتواء من غبابه؟، لمن نغفر؟ على من نتوب؟.. لمن أرادنا الحياة في وجهها الآخر أم لمن وضعنا رغماً عنا أمام خيار آخر؟.. ومع هذا لا نتوب، لا نتوقف عن البحث، لا تركد مشاعرنا ولا تتجمد أحاسيسنا..
لذا نقول إن كل تائب من الحب كاذب، فالحب ريح لابد أن تلفح صفحات أرواحنا وتساقط أوراق ماضينا وتلقح حاضرنا بالأمل وتحصننا ضد أمراض الحب القاتلة التي لا نشفى منها أبداً!.. إنه قرار تتخذه قلوبنا رغماً عنا في ثورة حب قد تأباها عقولنا، لكنها ثورة ولكل ثورة ثمن!.. تبدأ ثورتنا الحسية سلمية، لكنها وبعد معارك طاحنة بين قلبٍ ذائبٍ وعقلٍ تائب تتحول إلى ثورة معنوية دامية، فتسقط حواسنا وأحاسيسنا ضحايا لقناص خائن أردنا له الخير وأراد لنا الشر!.
ألطاف الأهدل
كل تائب من الحب كاذب! 1891