قرار اللجنة التنظيمية للثورة رفع الاعتصامات والخيام من الساحات..!!
وجهة نظر: قرار غير صائب.. إنهم يرتكبون خطأ فادحماً.. شباب اليمن.. لقد تعهدتم في فبراير ٢٠١١م.. أن تستمروا بثورتكم حتى يبنى اليمن الجديد الذي نحلم به جميعاً.. شباب اليمن.. نسألكم بالله سؤالاً.. أصدقونا كما عهدناكم دوماً: هل هذا هو اليمن الجديد الذي أردناه.. والذي تريده الثورة التي قتل المخلوع فيها وجرح وشرد واعتقل ودمر وأباد الألوف والمئات من إخوانكم الذين كانوا يمشون بجواركم في ساحات العزة والحرية، يوم أن خطفتهم رصاصات الموت، واغتالتهم ومزقت أجسادهم قذائف الغدر والحقد..
أزعم.. أن ليس هذا هو اليمن الذي نريد.. والذي أراده الشهداء.. لم تكتمل ثورتنا بعد.. ولم تُحقق بعد أهدافها.. يا شباب اليمن.. خيامكم في الساحات هي الضمانة وهي السبيل بعون الله لبناء بلدنا البناء الصحيح.. هي السبيل لمحاسبة القتلة ومحاكمتهم.. هي الضامن للقصاص ممن أحرقوا قلوب اليمنيين طوال ٣٣عاماً ودمروا وجرفوا البلاد وأهلكوا العباد..
يا ثوارنا.. دعوا الأحزاب جانباً.. عودوا إلى أحضان اليمن.. كما خرجتم أول مرة.. اليمن فقط.. دعوا السلطة والانتماء القبلي والولاءات الحزبية على حساب وطنكم.. دعوها فإنها متنة.. راجعوا أنفسكم.. خيامكم السلمية الرائعة ليست مجرد خيام.. إنها رمز.. إنها تاريخ.. إنها ثورة شعب جبار.. خرج من قمقم الظلم والاستبداد.. إلى رحاب الحرية وسمائها الزرقاء الصافية.. خيامكم هذه هي من ستعيد للساسة ومن هم في السلطة وخارج السلطة رشدهم وتوازنهم حين ينحرفون عن مصلحة الوطن.. حين تبدأ أنفسهم تسول لهم (مجرد تفكير) أن يخونوا الأمانة ويخونوا الوطن.. هذه هي قيمة خيامكم.. إنها قيمة ورمز يذكرنا.. ويحكي لنا.. ويقول للعابر بجوار ساحاتكم الخالدة خلود أرواح شهدائكم، ويسجل: هنا كانت لنا ثورة.
***
القياديان في الثورة الشبابية توكل كرمان وخالد الأنسي شخصيتان فوق مستوى الشبهات (ولا نزكيهم على الله)، نشعر باطمئنان جارف نحوهم ونصدق وطنيتهم وإخلاصهم، وهم أكبر من أن يوضعوا في أي موضع شك.. لكنهم لم يوفقوا في إعلانهم الأخير برفع الاعتصامات.. وإن كنا نتفق معهم في كل ما قالوه عن السلبيات التي أصابت الساحات، لكن ليس الحل هو إلغاء الساحات (بما تشكله من رمزية عظيمة في وجداننا ونضالنا السلمي)، بل المطلوب تفعيلها وإعادة الحياة لها.
***
لقد وقعت كرمان والآنسي ومن معهما من الثوار في فخ لا يستبعد أن تكون أحزاب وقيادات حزبية دفعوهم نحوه دفعاً ولو بشكل غير مباشر، عن طريق عمل الأحزاب وجهات أخرى الممنهج على تعمد تخريب الساحات وجعلها - كما قال الآنسي وكرمان- مكاناً لصراعات ليس لها مبرر، وعملوا بكل قوة(أي الأحزاب) على إضعاف شباب الساحات المخلص الذي ولاؤه فقط للثورة والوطن، ونستطيع بعبارة أوضح قول إن الأحزاب خربت ساحاتنا وثورتنا وفرقت شملنا ومزقت قوتنا ووحدتنا بتدخلها السافر وسيطرتها الأنانية على صناعة القرار بين الثوار، وانتهازيتها الظالمة بالاستحواذ على ثمار ثورة وتضحيات الشباب لها وحدها، إذاً.. رفع ساحات الثورة يحقق مصلحة للمشترك، بسبب وصولهم للسلطة وتعهداتهم لدول ورعاة المبادرة بأن يقوموا بإنهاء الثورة وتصفية الساحات.. ولو بأسلوب المداهنة والسياسة والتدريج.
*****
فالمشترك تقاسم السلطة وينوي الاستيلاء عليها بشكل نهائي في الانتخابات والمرحلة القادمة.. ويكون بذلك هو البديل عن نظام صالح الفاشل، ويكمل هو المشوار.. ويظل في السلطة لأن الجارة الكبرى والدول الكبرى يريدون ذلك.. ويرون فيه بديلاً جيداً عن نظام المخلوع يطمئنون له في الحفاظ على مصالحهم، وفي بقاء اليمن تحت سيطرة دول الإقليم والغرب.. لكننا نعلم يقينا أنهم(أي الغرب ودول الإقليم)- وليس في هذا الكلام أي مبالغة – أنهم لن يعملوا أبداً على تطور ونهوض اليمن وتقدمه، لأن هذا لا يرونه مصلحة قومية لهم.. بل على العكس تقدمنا وتقدم أي بلد عربي عموماً- ونهوضنا من مستنقع الخراب الذي غرقنا فيه لأكثر من ٣٣عاماً سيكون في نظرهم كارثة على مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة..
***
إذن.. هل قام شبابنا وشعبنا بثورتهم في ٢٠١١م لنخلع فاسداً ظالماً.. ليأتي من بعده من يسلم رقابنا ومصيرنا وبلدنا مرة أخرى للخارج واستبداده ولا إنسانيته؟... بحجة ماذا.. أننا بلد فقير جداً لازلنا نحتاج للآخرين، ومضطرين للرضوخ لإملاءاتهم وتحقيق مصالحهم في سبيل أن تمضي السفينة.. إنه العذر، الذي هو أقبح من الذنب.. لا يفهم معنى ثورة من يظن أنها خلعت فرداً وجاءت بآخر.. هكذا بكل بساطة.. إن الثورة إعصار يخلع الظلم وعروشه والفساد وزبانيته.. ثم تؤسس لنظام رشيد حقيقي لا يستأثر أحد أو مجموعة أو قبيلة فيه بالسلطة لهم وحدهم بعيداً عن الحساب والمساءلة من الشعب..
إن السبب في قرار رفع خيام الثورة (بما تعنيه هذه الخيام من معنى عظيم ورمزية).. هم الذين شقوا الصف واستطاعوا جر بعض الثوار وخدعهم بأن كرههم بالساحات، وعمل على تخريب الساحة بزرع الخلافات فيها، مما جعل ثواراً عظماء مثل توكل والآنسي يرون أن إنهاء الساحات أفضل من تركها هكذا أرض صراع بين فئات وأحزاب.. إنها الحزبية والعصبية الجاهلية التي تفسد كل شيء جميل في حياتنا، نسينا وصية نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ (دعوها فإنها ممتنة)، حقاً، إنها ممتنة، العصبية الحزبية أو المناطقية أو القبلية.. كيف تنهى ساحات الثورة الآن ولم يقدم قتلة المتظاهرين السلميين في ٢٠١١م للقصاص والعدالة؟ كيف تنهى الساحات التي قامت لبناء اليمن؟ واليمن لم يبن بعد.. لازال اليمن هو اليمن المحطم، لازال الفساد هو الفساد.. والنهب والتجريف لأموال الشعب هو النهب والتجريف.. والمسؤولين والمدراء بفسادهم في كل مرفق ومؤسسة.. كيف تنهى الاعتصامات ولازالت أموالنا المليارات التي نهبها المخلوع وأركان حكمه؟ لازالت مسروقة لم يعد منها مليار واحد.. كيف ولازال بقايا النظام المخلوع وأتباعه يجوبون الشوارع والطرقات بمسيرات مدفوعة الأجر واعتداءات شبه يومية على شباب الثورة وعائلات شهداء الثورة في مشهد يمثل قمة الاستفزاز للمشاعر..
إذن، الأمر تكشف بكل وضوح.. إنها الثورة المضادة التي اكتسحت بلدان الربيع العربي.. ثورة مضادة تكشفت خيوطها الآثمة في اليمن.. فهل سيقبل الثوار بهذا؟ سؤال حاسم.. هل سيقبلون أن ترفع ساحاتهم وتنتهي ثورتهم.. دون أن يحققون ولو حتى ربع أهدافها؟.. نتفهم كثيراً مبررات وأسباب المجلس الأعلى للثورة السلمية.. لكن الخلاف في الخطوة التي أعلنت.. لقد خدعوا ونفذوا بغير شعور أو قصد رغبة تتمناها قوى ومراكز قوى داخلية وخارجية.. يا إخواننا، ساحات الاعتصام والثورة يا توكل كرمان ويا خالد الآنسي هي ساحات تحمل لنا عبير ونسائم الحرية، حين نستنشق هواءها نمتلئ بطاقات جبارة وحماس هائل..
نتفق معكم بأن على الثوار تطوير أدائهم وثورتهم، عليهم الآن البدء بالمرحلة الثانية (التي تأخرت كثيراً) وهي ثورة المؤسسات التي يجب أن تبدأ الآن وفوراً وبكل قوة.. لان أموالنا.. وثرواتنا.. موجودة بشكل رئيسي في هذه المؤسسات، وبناء اليمن الجديد يبدأ من هنا.. من هذه المؤسسات.. لكن هذا لا يعني إلغاء الساحات لأنها رمز ومكان يجمعنا ويوحدنا.. إن هدير أصوات مئات الألوف من الثوار في يوم الجمعة في كل ساحة لهو زلزال يهز أركان بقايا الفساد والاستبداد.. فقط يحتاج الثوار إلى استغلال وتوجيه هذه التجمعات الهائلة بخطوات عملية فعالة،.. لا نريد لساحات الثورة أن تستمر هكذا راكدة ميتة، وخاوية من روح الفعل الثوري، لكن نستطيع أن ننطلق الآن بأعظم ثورة لتطهير مؤسساتنا ومرافق الدولة التي خربها وينهبها الفاسدون والمتنفذون..
الآن.. وذلك بتفعيل الساحات، وأن يقوم الثوار الآن بنصب خيام وساحات التغيير أمام المؤسسات والمرافق، بالاستعانة بالساحة الأم التي ولدت منها الثورة، والتي ستمثل لكم أكبر رافد بالحشود والثوار.. فـ(هذا) لا يمنع (هذا).. ننتظر من الثوار في كل الساحات أن يصدروا بيانات موحدة في كل المحافظات.. ليحددوا موقفهم، وأن تضع كل ساحة أراء وأفكار بناءة لتطوير العمل الثوري وإعادة الوهج للثورة، وأنا أجزم.. وظننا في شبابنا دائماً خير.. فهم من قدموا الدماء رخيصة لأجل اليمن.. لن يرضوا أبداً أن تكون دماءهم هدرت وذهبت بلا مقابل!.. لا قدر الله.. تحية لتعز الثورة.. وشبابها الأفذاذ الذين قل الزمان أن يجود بمثلهم.. قرارهم التاريخي برفض قرار اللجنة التنظيمية الخاص برفع الاعتصامات وإزالة الخيام قبل أن تحقق أهداف الثورة التي تعهد الثوار جميعهم في كل الساحات والمدن والقرى في ٢٠١١م بتحقيقها.. تعز وشبابها الثوار يدعون جميع ساحات الجمهورية بالاستمرار بالثورة والوفاء بالعهد الذي قطعه الثوار على أنفسهم ببناء اليمن الجديد، الخالي من الفساد والسرقة.
***
نريد الثوار أن يستمروا في الساحات حتى يبنى اليمن المتقدم المزدهر الذي فيه خدمة الكهرباء متطورة لا تنقطع ولو ثانية واحدة.. نريد الثوار أن يستمروا في الساحات حتى يبنى اليمن الجديد الذي يتمتع فيه اليمنيون ويشبعون من خيرات بحارهم وثرواتهم السمكية ذات أفضل جودة في العالم وبحارنا الأغزر إنتاجاً في العالم أجمع، نريد الثوار أن يستمروا في ساحاتهم حتى نرى اليمن الذي لا وصاية لأحد عليه، لا فرد ولا دولة خارجية، نريد الثورة أن تستمر حتى القصاص للشهداء والجرحى والمعاقين والأسرى.. نحن متيقنون بإذن الله أن الثوار في باقي الساحات لن يخذلوا إخوانهم الثوار في تعز، لأن كل ثوار اليمن عظماء وسينتصرون لثورتهم التي أشعلوها هم بصدورهم العارية أول مرة.. لم يخشوا صالح.. لم يرهبهم سيل الرصاص الحي وقذائف الـ"أر. بي. جي" التي انهالت عليهم في ساحات العزة والشرف.. فقط على ثوارنا الأفذاذ في كل اليمن أن يخلعوا عن ثورتهم كل رداء حزبي وانتماء سياسي لأياً كان، لأن هذا هو الذي سيقتل ثورتهم ويطفئ نورها ووهجها.
وليكن شعارنا: ثورتنا تجمعنا.. وحب اليمن يوحدنا.. ما أعظم تعز.. حاضنة الثورة، إن الثورة بأمان.. مادامت تعز وشبابها موجودون.. وصامدون.. و بخير.
لينا صالح موسى
الثورة وبناء اليمن الجديد نبض القلوب الثائرة 1518