القضية الجنوبية التي يحملها الشعب الجنوبي العريق في تاريخه الأصيل وبساطة حياته المدنية والإنسانية التي عرف عنها منذ زمن طويل، لازال يحملها بشكلها الإنساني والسياسي والتاريخي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي وهويته الحضارية، ينشدها بعدالتها الوطنية والحقوقية التي يعترف بها العدو قبل الصديق والغريب قبل الرفيق والتي ضحى من أجلها بكوكبة من الشهداء وقوافل من الجرحى وبذل الجهد والمال في الوصول إلى الساحات والميادين وأضاع سنوات من عمره في النضال السلمي ومنهم من فقد عمله وسلبت أملاكه وسجن وتم تعذيبه وفقد أعز المقربين له، كل هذا من أجل استعادة حقوقه ونصرة قضيته العادلة.
وفي سبيل الوصول إلى هدفه من دون وجود أي خصومات سياسية أو خلافات حزبية أو نزاعات قبلية أو نعرات مناطقية أو تصفية حسابات لأحداث سابقة ومن أجل تجنب ثقافة الانتقام ونبذ الحقد والكراهية اختار شعب الجنوب لأنفسهم مبدأ التصالح والتسامح والعفو عن كل من تسبب بالأخطاء وارتكب الجرائم في الماضي بحقه، بالرغم أنه ليس إلا ضحية للأنظمة المتعاقبة على الحكم منذ الاستقلال في عام 1967م وحتى اليوم علماً أن من ارتكب وتسبب بتلك الجرائم لم يقدم أي اعتذار حتى الآن، والشعب لم يقدم تلك التنازلات إلا محاولة منه للإبحار قدماً بسفينة القضية الجنوبية والمضي بثقافة الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر والسير بروح المحبة والإخاء والوصول إلى وطن مزدهر آمن ومستقر يستوعب كل أبناءه من دون أي صراعات.
إن كل ما قدمه الشعب في الجنوب من تنازلات ليس إلا لأن المرحلة الراهنة حساسة ودقيقة جدا ويدرك أنها مفصليه في تاريخه الحديث والمعاصر وبحاجة إلى بذل المزيد من الجهد والجدية في العمل الدؤوب والابتعاد عن عبادة المصالح الشخصية وعدم التمسك بالأفكار الضيقة ورفض الأنانية المفرطة واعتبار أن المناصب القيادية هي تكليف لا تشريف وإدراكه بحجم القضية التي يناضل من أجلها والتي تتطلب من الجميع قيادات وشعباً توحيد الكلمة ورص الصفوف وتكاتف الجهود في اتجاه بناء أنفسهم ورسم ملامح مستقبلهم والخروج برؤية وطنية تساعدهم على تقبل كل الأطراف ومشاركة الجميع في بناء الدولة الحديثة وسط أجواء يسودها الهمة والاقتدار والحب والإخاء والإخلاص الوطني في العمل المثمر والمستمر.
إلا أن الخلافات بين قيادات الحراك وخاصة التي تسببت في مآسي الماضي ظلت حاضرة وبوادر الصراعات لازالت طاغية على كل تصرفاتهم وزادت حدتها حتى أنها أضحت غير خافيه على أحد وملامحها العدائية برزت في كل شاردة وواردة، في المقايل وفي الشوارع و فوق المنصات وعلى وسائل الإعلام، وكانت تصرفاتهم السخيفة السبب الرئيسي في تشويه الصورة السياسية للقضية وتأخير نضوجها القانوني وعزوف المجتمع الدولي عن مساندتها، وبالرغم من عقد عدة لقاءات بوساطة من عدة أطراف داخلية وخارجية لتقريب وجهات النظر بين تلك القيادات المتناثر والمتصارعة إلا أنه لا حياة لمن تنادي فكل منهم يريد أن يكون الزعيم ويفرض رؤيته بالقوة ولا يقبل بالأطراف الأخرى بتاتاً وكل طرف فيهم يحاول إقصاء الآخرين وعدم الاعتراف بهم ويعتبر نفسه الممثل الوحيد لشعب الجنوب وغيره لا مكان له وهكذا يظل همهم الأول والأخير هو كيف تبقى الزعامة في أيديهم ويصبحون المتحكمون بالشعب الجنوبي دون سواهم.
ومع كل ما قدمه شعب الجنوب من تضحيات وتنازلات في سبيل قضيته العادلة والنبيلة واستعادة حقوقه إلا أن قيادته وكأنها غير آبهة بذلك ولا تكن للشعب أي مؤشرات من التقدير والاحترام... فهل ستعود تلك القيادات إلى صوابها وتعيد احترامها للتضحيات التي قدمها الشعب الجنوبي؟ وهل تدرك حجم التنازلات التي قدمها لهم الشعب على طبق من ذهب في مبدأ التصالح والتسامح في سبيل تجاوز أثار الماضي خاصة قيادات الماضي التي ارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعب؟ وهل تحترم إرادة الشعب الجنوبي في اختيار مبدأ التصالح والتسامح وتسلك معه نفس المبدأ أم أنها ستظل في خلافات وصراعات لا يجني منها الشعب إلا الخراب والدمار والشتات؟ وهل تتصالح تلك القيادات فيما بينها وتعيد وحدتها الوطنية أم ستبقى في تصفية الحسابات؟ ولماذا لا تقدم اعتذارها للشعب الجنوبي عما اقترفته بحقه من جرائم؟ وهل تدرك خطورة إعادة إنتاج صراعات الماضي على مستقبل الدولة القادمة؟!!.
وهيب الذيباني
هل تدرك قيادات الحراك حجم التنازلات التي قدمها لهم الشعب الجنوبي؟! 1432