لو طُلب مني تصريح لمفاصل السياسة الراشدة وكبار معالمها التي تصلح المرحلة وكل مرحلة ,فسأطرح ذلك في دقيقتين فقط، لا تعجبوا فقد كفانا الله في نصوص الدستور الرباني هذه المؤنة.. وهذه سورة الشورى: فيها منظومة هذا الخطاب، إنها حلول استراتيجية لسياسة الدولة التي مقصد الشريعة أن تكون خادمة للشعب بالشرع، وإقامة نظام الحكم وإلزام السمع والطاعة في المعروف المصلحي العام.
حتى إذا حاد حاكم عنها أو انحرفت سياسة عن منهجها ,كانت تصرفاته ملغاة، لأن الحاكم فرع الشعب والسياسة فرع الشريعة ,فإذا عاد الفرع إلى الأصل بالإلغاء والإبطال بطل الفرع فوراً، هذه قاعدة أصولية ومقاصدية متفق عليها.
إذاً فما هي الأبجديات السياسية العامة للدولة التي قصد سبحانه وتعالى بيان منهجها وسياساتها إيجازاً تارة وبسطاً مرة أخرى؟
لقد أوجز في آخر سورة الشورى ذلك من الآية رقم 36 إلى 44 وهي لا تتجاوز الصفحة ,لكنها تنظم دولة تستطيع أن تحكم العالم كله، تحكم الفرد وأصغر ما فيه ضميره وقلبه وتحكم المجتمع بما فيه من أطياف وتشكيلات اجتماعية وسياسية ودينية، وتقيم سياسة الخارج بما يتناوبها من مخاوف و مآمن.
أ- الإيمان الاتصالي الواثق بالله "الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون".
ب- الطهارة الأخلاقية الشاملة –عفاف المجتمع ومجتمع الفضيلة –وطهارة الحياة "والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش".
ج- التسامح "وإذا ما غضبوا هم يغفرون".
د- التسليم لله والاستجابة له "والذين استجابوا لربهم".
هـ- أخص صفة التدين "وأقاموا الصلاة".
و- شورى لا استبداد (الاستبداد مرفوض والتشاور مفروض)، "وأمرهم شورى بينهم".
ز- توزيع الثروة "ومما رزقناهم ينفقون".(كي لا يكون دُولة بين الاغنياء منكم )
ح- الرد على الاعتداء والبغي أياً كان حجمه ونوعه "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون".
ط- عدالة الجزاء بالمثل "وجزاء سيئة سيئة مثلها".
ي- الدعوة إلى سعة الصدر والعفو عند المقدرة والسعي في إصلاح الوضع لا توتيره "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".
ك- الدفاع عن المظالم "ولمن انتصر بعد ظلم فأولئك ما عليهم من سبيل".
ل- سطوة القانون وسبيل العدالة على كل ظالم وباغٍ "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق".
م- التأكيد على مبدأ ضبط النفس والتسامح "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور".
ن- لا ولاية لظالم ضال "ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده".
هذه هي خلاصة هامة للدولة والفرد والمجتمع والساسة ، إنه برنامج متكامل للإصلاح الشامل والنهوض الآمن حقاً