;
محمود عيسى
محمود عيسى

هل يؤمن العلمانيون العرب بالديمقراطية؟ 1564

2013-04-17 18:19:02


السؤال الذي تتعنون به هذه السطور، يخطر على بالي كلما قرأت مقالاً أو تعليقاً، أو سمعت حوارا أو مداخلة لأحد سدنة العلمانية واليساريين العرب عموماً والمصريين خصوصاً، ولولا خشيتي من مزيد من الإطالة في العنوان لقلت «مدعي العلمانية والليبرالية العرب»، فإضافة كلمة «مدعي» إضافة مهمة تكشفها وتؤكدها متابعة الأداء السياسي والإعلامي لمن يطلق عليهم لقب «قياديين» كما هو الحال بالنسبة للمعارضة المصرية وعلى رأسها ما تسمى بجبهة الإنقاذ الوطني.
في محاولة البحث عن إجابة للسؤال فإن الاستخلاصات الشخصية خصوصاً لمن هو متهم بالميول الإسلامية - وهي تهمة لا انفيها بالطبع - لا تشكل دليلا، ومن ثم فإن الوقائع الثابتة تبقى أفضل إجابة على هذا السؤال.
من الوقائع الثابتة، أن ثورات الشعوب في كل من تونس ومصر وليبيا، إنما هبت ضد حكام لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بتيارات الإسلام السياسي، فلم يسقط التونسيون بعد ثلاثة وعشرين عاما من البوليسية الشيخ السلفي زين الدين بن علي، ولا أطاح المصريون بعد ثلاثين عاماً من القمع والفساد بعضو مكتب الإرشاد حسني مبارك، ولا قتل الليبيون بعد أربعين عاماً من الدم والدمار القيادي بالجماعة الإسلامية معمر القذافي، أي أن ثورات الشعوب في الدول الثلاث إنما كانت ضد رؤساء يعتنقون العلمانية في أبشع صور عدائها للدين، وقد شكلت الرغبة في الحرية والديمقراطية قاسما مشتركا عظيما بين أسباب الثورات في الدول الثلاث، وهو نفس السبب الذي يناضل الشعب السوري من أجل تحقيقه بدمه منذ نحو عامين.
وقائع التاريخ تخبرنا أيضاً أن العلمانيين الذين يدعون الليبرالية والدفاع عن الحريات، والنضال من أجل سيادة إرادة الشعب، هم من انقلبوا على حق الشعوب في الاختيار عبر إرادتهم الحرة، في أكثر الانتخابات نزاهة في العالم العربي.. ففي السادس والعشرين من ديسمبر عام 1991 فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجولة الأولى للانتخابات التشريعية الجزائرية بـ188 مقعداً من أصل 380 هي عدد مقاعد المجلس الشعبي الوطني، وهو ليس مجرد فوز وإنما هو اكتساح انتخابي، ذلك لأن جبهة القوى الاشتراكية التي حازت على المركز الثاني إنما تحصلت فقط على 25 مقعداً.
ولأن الشعب الجزائري لفظ العلمانيين واليساريين ومنح الأغلبية لنواب إسلاميين، فقد حل الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد البرلمان بعد إعلان نتيجة الانتخابات بأقل من عشرة أيام وتحديداً في الرابع من يناير عام 1992وبعدها بيومين استقال الشاذلي من الرئاسة وألغى الجيش نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية وانقلب على الديمقراطية ولم يسمح لحكومة جبهة الإنقاذ الإسلامية بأن تتشكل، ودخلت الجزائر في نفق الإرهاب المظلم لسنوات طويلة، ربما لم تتعاف من أثره حتى الآن.
بعد هذا التاريخ بأكثر من خمسة عشر عاماً، وتحديداً في يناير عام 2006، جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية بإشراف نحو تسعمائة مراقب أجنبي يرأسهم الرئيس الأميركي الأسبق/جيمي كارتر، وهي الانتخابات التي بلغت نسبة التصويت فيها 77.69% في جميع الدوائر الانتخابية ووصفت بأنها الأنزة في تاريخ المنطقة بأثرها. وفي هذه الانتخابات فازت قائمة التغيير والإصلاح المحسوبة على حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بـ (76) مقعداً في المجلس التشريعي وبذلك شكّلوا ما نسبته 57.6% من أعضائه.
ومع اختلاف الطريقة والأسباب فقد لقي فوز الإسلاميين في انتخابات فلسطين، مصير اكتساح الإسلاميين لانتخابات الجزائر، وحرمت حماس من تشكيل الحكومة، رغم أن نوابها وصلوا إلى المجلس التشريعي بإرادة شعبية حرة ونزيهة باعتراف وشهادة الغرب الذي تآمر هو نفسه لإقصاء أصحاب الحق عن ممارسة حقهم، وكان من نتاج هذا الانقلاب الغربي على الديمقراطية الانقسام السياسي والجغرافي في فلسطين.
نفس الانقلاب العلماني واليساري حدث في مصر ولكنه لم يكن بدعم عسكري ولا غربي كسابقيه وإنما كان انقلاباً علمانياً بدعم قضائي هذه المرة، إذ وفي سابقة تاريخية قضت المحكمة الدستورية بحل أول مجلس للشعب بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، اختير نوابه في انتخابات هي الأنزه منذ ستين عاما على الأقل، وذلك بداعي عدم دستورية قانون الانتخابات، وبعيداً عن أن الحكم كان الأسرع في تاريخ المحكمة التي كانت تستغرق نحو عشر سنوات في نظر مثل هذه القضايا، فإن الطعن الذي قدم لها بشأن الانتخابات كان خاصاً بالمقاعد الفردية التي تشكل ثلث مقاعد البرلمان فقط، ومع ذلك ولأن الشعب المصري اختار أغلبية النواب من ذوي الاتجاهات الإسلامية - أكثر من 75 % من النواب كانوا إسلاميين - فقد تم حل المجلس كله، ومازال الإنكار العلماني للديمقراطية والكفر بها يتكرر أيضاً في محاولات الانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية، لا لشيء إلا لأنها أتت برئيس إسلامي.
بالتأكيد لا يمكن القطع بأن العلمانيين واليساريين العرب لا يؤمنون بالديمقراطية، لأن كفرهم بها مرهون فقط بأن تكون نتائجها في صالح الإسلاميين.. لذلك يرفعون دوماً شعار «الديمقراطية أن أحكم أنا».

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبدالملك المقرمي

2024-11-29 03:22:14

نوفمبر المتجدد

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد