لا يمكن أن يجعل الله لإنسان عسرين أبداً، فهدايا الرحمن مغلفة برحمته ومحفوفة برأفته، فهو الرؤوف الرحيم وفي أحشاء العسر تنبت بذرة اليسر التي قد لا ندرك وجودها.. يفقد الإنسان وعيه أو إدراكه لردة الفعل التي تنتابه حين يصدمه القدر باختبارات دنيوية تمحص إيمانه وتمتحن قدرته على احتمال النصيب الوافي من مواد صفحته المسطرة في اللوح المحفوظ، قد يصبر وقد يسخط وقد يبقى حائراً بين هذا وذاك، لكنه في نهاية المطاف لابد أن يستسلم، لأنه يدرك تماماً أن قدرته تنحصر في دائرة الرضا والقبول لا السخط والجزع.
في تلك المواقف الحياتية المرير يمر جميعنا بلحظة تفكير عميقة جداً وبعيدة عن الواقع الذي استهلك حواسنا وقناعاتنا دون أن ينقلنا ببساطة من نقطة الفطرة إلى نقطة اليقين التي يصبح بعدها مصابنا سهلاً ومصائبنا باركة على أعتاب الطمأنينة تطرق الباب فلا تلقى إلا إيماناً واحتساباً..
الوصول إلى تلك النقطة ليس بالشيء السهل، كما أنه ليس بالشيء الصعب الذي يعوق مسيرة إيماننا ويقيننا خلف قافلة النخبة المؤمنة بربها قولاً وفعلاً، بل إن تلك الصحبة الروحية لأحداث القدر وامتصاصها بحضور الإرادة القوية والإيمان الذي لا ينكسر هي من تجعل رحلة الوصول إلى اليقين من أسهل ما يمكن ومن أيسر ما يكون.
إن ما لا يكسر ظهر الإنسان يقويه بلا أدنى شك، هذا ما يقوله العظماء دائماً حين تهون أمامهم مصائب الحياة أمام أهداف عظيمة يرسمونها بأيديهم وتظل أمام أعينهم لا يراها إلا هم، وعلى طريق الوصول إليها قد تقف الدنيا بأسرها عائقاً، لكن أرواح هؤلاء مزودة بالوقود الذي لا ينضب إلا بانطفاء فتيل الحياة في أجسادهم المعلقة في سماء الأمل كالقناديل..
لا يجعل الله عسراً خالياً من يسر، ولا ينزل الله بلاءً إلا ويجعل له دواءً ولا يختبر الله بشراً ضعيفاً إلا وقد أشعل بداخله مصابيح الرضا واليقين.. إنها العدالة السماوية التي نؤمن بأن ما جاء منها حق ومن الغباء أن نفتح أمام أحزاننا ومتاعبنا ومصائبنا أبواب الخوف لو أدركنا أنها ما جاءت إلا لتزرع الأمان والطمأنينة والإيمان بأن من أرسلها رؤوف رحيم، وهذه أسمى درجات التجلي والنجوى والخضوع، أن تخاطب رب السماوات السبع والأراضين السبع بلسان الرضا واليقين مستشعراً أسباب البلاء ومستعيناً به على الوصول إلى الدواء، وبين هذا وذاك إيمان لا يخالطه رياء.
///
ألطاف الأهدل
إن مع العسر يُسر! 1609