;
محمد علي محسن
محمد علي محسن

أفكار مخترعة وقيادات استثنائية !! 1807

2013-04-09 17:50:11

           
السياسة بمفهوم اليوم تعني قدرتنا على إيجاد وابتكار البدائل السياسية وإزاء مختلف المشكلات والأزمات المجتمعية والوطنية والاقتصادية والدولية، ففي مختلف الظروف والأحوال يجب أن تكون هذه البدائل متوافرة ومتاحة ومخترعة وفق ذهنية ديناميكية لا تتوقف لحظة عن التجدد والحيوية.
المتأمل في مشكلاتنا الوطنية والعربية سيجدها نتاجاً لحالة خمول وعقم تعاني منها النخب السياسية المهيمنة على مجمل المشهد السياسي، هذا الجمود الذي أصاب الذهن السياسي العربي خلال العقود المنصرمة كان من تجلياته هذه الصورة المشوهة غير قادرة على التميز والابتكار للبدائل والأفكار الناجعة المتسقة مع منظومة كاملة من الأفكار والعلاقات والمصالح والتحديات الوطنية والإقليمية والعالمية.
ما نشاهده الآن في دول الربيع العربي يشير إلى طبيعة المعضلة المزمنة الناتجة عن إصابة النخب السياسية المتخلقة من رحم الثورات بعاهة ذهنية وفكرية جعلتها تواجه مشكلات الحاضر الثوري بمنطق الأنظمة العتيقة؛ بل وبأسوأ منه وسيلة وراديكالية، فهذه الثورات بقدر ما أخذت على كاهلها مشكلات شعوب وأوطان؛ عدت في المقام الأول فكرة شبابية عصرية كاسرة لرتابة وعقم الأفكار النخبوية الحاكمة أو المناهضة.
 الفارق - بكل تأكيد - شاسع وصدامي، هذا التفاوت والاختلاف الكبير ما بين الفكرة الشبابية المتطلعة الحالمة بوطن آخر يتقاطع كلياً مع الأنظمة الاستبدادية العائلية الفاسدة وبين الفكرة النخبوية الطامحة بالوصول للحكم وإدارة دفته بعقلية ماضوية ثأرية استبدادية غايتها الأساسية إسقاط نظام وإحلال نظام.
الدكتور طارق السويدان - في محاضرة له بثتها قناة " الرسالة " قبل ثلاثة أعوام تقريباً -ارجع فيها تخلف الإدارة في الدول العربية إلى اعتمادها الطرق والمعالجات التقليدية المتوافرة والمعتادة ودونما محاولة جادة لتغيير نمط هذه الأداة بناء ومقتضيات التطور والتحديث الحاصلين لهذه الإدارة ولمفاهيمها المختلفة والمتجددة.
 وأشار السويدان إلى أن المجتمعات العربية مازالت أسيرة جمودها النخبوي والنظري والواقعي ففي الوقت الذي تعالج دول أميركا وأوروبا أزماتها ومشكلاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية بمنطق " البومة الحكيمة " القائم على ابتداع الحلول والمعالجات الجديدة غير التقليدية؛ الدول العربية في المعظم تواجه مشكلاتها وأزماتها الداخلية أو الخارجية بذات المنطق القديم القائم على الحلول الجامدة الجاهزة والمتصورة في ذهن الفرقاء المتنازعين.
 فسواء كانت هذه الخلافات بين الأشخاص العاديين، أو الاعتباريين، أو حتى بين الدول؛ فإن النسق المتبع لحل هذه الأزمات والخلافات الناشبة يكون عادة مألوفاً وجاهزاً ودون فعل يثبت بتحول ويشي بمغادرة العرب للحلول الجامدة التي تجاوزتها المجتمعات الأخرى في العالم، بمعنى آخر إنه وكلما وقعت مشكلة سياسية أو حدودية أو مجتمعية ذهب الفرقاء وفي مخيلة كل طرف حلول تقليدية جامدة ودونما التفكير بحلول جديدة يتنازل فيها أحدهما للآخر نظير تعويض مالي نقدي أو على شاكلة استثمار أو جغرافية في مكان آخر بعيد عن موضع النزاع.
الأمر هنا لا يقتصر على ثورة أو دولة أو مشكلة بعينها، فكل ما هو مشاهد الآن يؤكد حقيقة الواقع العربي، لنأخذ دول الربيع كنموذج لهذا السقم الفكري النخبوي، فبرغم كل هذه الثورات الشبابية المبتكرة الخارقة المسقطة لجدار عتيق ومهترئ طالما عجزت النخب السياسية عن مسألة الاقتراب منه فكيف بإسقاطه؟ إلا أن ما يعيب هذه الثورات هو أنها كانت عفوية مطلبية شبابية شعبية.
ولأنها كذلك في مستهل ثورتها الحماسية والنضالية لإسقاط حاكم طاغية؛ فلم يسعفها الوقت كي تخترع قيادتها وطريقتها لإدارة المرحلة الناشئة، وبما أن هذه الثورات لم يكن هدفها الوصول للحكم بقدر ما كانت مطالبتها بالتغيير والإصلاح السياسي؛ فإن تطورها التالي - من حركة عفوية مطلبية إصلاحية إلى ثورة شعبية غايتها التغيير السياسي الجذري – جعلها فاقدة القدرة على التفكير والتنظيم والسيطرة على مرحلة ما بعد سقوط الحكام.
 وهذا الفراغ السياسي بدوره أفسح المجال أمام النخب الحزبية العتيقة كي تأتي من الصفوف الخلفية للثورة إلى مقدمتها ومن ثم قيادة نظامها المتخلق لتوه باعتبارها الأكثر تنظيماً وخبرة وأهلية مقارنة بشباب الثورة الذي ربما تصدر المشهد تضحية واستبسالاً ووسيلة وفكرة وكفاءة، لكنه لم يكن مستعداً وجاهزاً تنظيماً وإدارة وفكرة لمهمة طارئة وناشئة كهذه التي اقتضت ظرفيتها استدعاء التنظيمات السياسية إلى واجهة النظام الجديد.
ختاما يجب القول إننا أُمة تمتلك من المقومات والموارد ما لا تمتلكه الأمم الأخرى، لكننا - وبسبب أفكارنا ونخبنا البالية - لم نستطع مغادرة حالة التخلف والوهن والعجز الرهيب عن مجاراة الأمم والشعوب الناهضة المستقرة المزدهرة سياسياً واقتصادياً ومعيشياً وخدمياً وحقوقياً، نعم؛ فحتى ثورات شباب الربيع العربي الملهمة للعالم يتم تصويرها في واقع الممارسة وكأنها ثورات خريف كهلة ومعتوهين ركبوا موجة الحداثة فألبسوها جلباب القرون الوسطى وقادوا زمامها بمنطق أهل الكهف وطريقة النظم القمعية الفاسدة.
فهذه الثورات قبل أن تكون ثورات على الأنظمة المستبدة الفاسدة، هي ثورات أفكار جديدة مبتكرة كاسرة لجمود الحلول والأدوات القديمة، ثورات أحلام وتطلعات وآمال نبيلة عادلة، ثورات رؤى، وبدائل، وخيارات، وعزائم، وتوجهات، ثورات أهداف وخطط مرسومة، ثورات غايات، وسياسات، وقيادات استثنائية مدركة فاعلة قادرة على فهم واستيعاب ما حدث أولاً، وتالياً معرفة مهمتها ودورها ومسئولياتها إزاء تحديات كاثرة فرضتها المتغيرات السياسية والتحالفية والدولية والعربية والوطنية والمجتمعية .
                                                                             


الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد