كيف صارت اللغة المهرية لغة حديثة الاكتشاف في جنوب السعودية ؟ فما اعرفه هو أن المهرة محافظة في شرق اليمن كما وأعلم جيداً أن لغة أهلها قديمة ومعروفة ومتداولة شفهياً مثلها مثل اللغة السقطرية التي أرجو أن لا يأتي يوم وقد باتت هي – أيضاً– لغة مكتشفة تتصدر عناوين الصحف والقنوات الأجنبية .
حين قرأت صحيفة الشرق الأوسط قبل سنة تقريباً لم أتمالك نفسي من شدة الغيرة والحنق على هذه البلاد وناسها ، كيف لا ينتاب الواحد الفزع والوجع وهو يقرأ الخبر التالي : لغة مكتشفة في جنوب المملكة ويتحدث بها 20ألف سعودي .
فلو أن هكذا اكتشاف كان في سلطنة عُمان المحاذية لمحافظة المهرة؛ لهان الأمر علي ولكنت اعتبرت المسألة ممكنة وربما بديهية فكثيراً ما وجدنا المهريين " البدو" يشتركون مع إخوانهم العُمانيين " البدو " بخصائص كاثرة ، لذا فإنني ما كنت افزع لو أن من يتحدث المهرية يتوطن في غرب عُمان، فيكفي التأكيد هنا بوجود خصائص مشتركة بين هؤلاء القوم المستوطنين ذات الجغرافية الواحدة رغم أنف التقسيم السياسي..
لكنني أتحدث هنا عن 20ألف مهري صاروا مواطنين سعوديون ؛ إما بحكم الواقع المفروض قسراً، وإما نتيجة استغلال بشع لفاقة وظروف اليمنيين في هذه المناطق القفرة الفقيرة ، إذ انه ومنذ نصف قرن تقريباً واليمنيون في صراعات وحروب داخلية منهكة ومدمرة ما فتأوا يعانون منها حتى اللحظة الراهنة التي مازالوا فيها بمسيس الحاجة لدعم الشقيقة فيما هي أخذة بالتمدد والتوسع وعلى حساب مساحة اليمن مستغلة ضعفه وفقره وأزماته ومشكلاته .
وهذه جميعها جعلته عرضه للأطماع التوسعية السعودية التي لم تقتصر على ابتلاع أقاليم كاملة من شمال اليمن سابقاً؛ بل ووصلت إلى بسط نفوذها وهيمنتها شرقاً وغرباً، براً وبحراً، ولدرجة بتنا فيها نخشى على ما تبقى من مساحة اليمن الضئيلة بحيث نرى الجارة الشقيقة، وقد استولت على مساحة شاسعة حيوية واعدة بالثروة والاستثمار في الجوف ومأرب وشبوة وحضرموت والمهرة وحجة وصعدة.
المؤكد أنه ما من فقير ومحتاج لضرورات الحياة يمكنه رفض الانتساب لموطن يمنحه شعوراً معنوياً ووجودياً بالغنى والتفوق! فحين يفقد الإنسان كرامته ووجوده في وطنه تصير مواطنته مجرد بطاقة هوية عبثية مذلة، فكما قيل بأن الجائع لا يكون مخلصاً لوطنه ، لذا فكثير من خلق هذه البلاد استبدلوا جنسيتهم وكأنما يبدلون جورب حذاء نتن ومتسخ..
كيف لا واليمنيون جل أمنيتهم الحصول على الجنسية الأمريكية أو البريطانية أو الخليجية؟ إنهم ووطنهم في علاقة نفي واضطهاد إزلي لا ينفع معه سوى البعاد، ألم يقل أسلافنا الأوائل " ربنا باعد بين أسفارنا " فمزقهم الله شر ممزق وعاقبهم بالنفي شر عقاب؟.
ما من أحد في هذه البلاد التعيسة إلا ويسهل إغراوه واستقطابه من السعودية أو غيرها، فكيف إذا ما كان هذا الإغراء يتعلق بأناس لم يعثروا على ذواتهم في موطنهم؟ أناس جل همهم طريق معبد يحترم أدميتهم، وإنارة، ومستشفى، ومدرسة، وحياة آمنة مستقرة خالية من الاقتتال والتناحر والفقر المدقع والأمراض والجهل.
معاناة مستديمة بكل تأكيد ورقة رابحة طالما استخدمتها الشقيقة في معركتها التوسعية، فمنذ أن صارت إمارة نجد الدرعية مملكة سعودية على جغرافية شاسعة مستولى عليها من الحجاز والشام واليمن والخليج وهذه البلاد, لم تعرف وقتاً من الاستقرار السياسي والمجتمعي، كما ومساحتها وثروتها وقوتها في تناقص دائم ومستمر..
فحتى بعد تنازل قيادة اليمن عن ثلث أرضها الشمالية وفق اتفاقية جدة 2002م، ناهيك عن صمتها إزاء سعودة البلق والوديعة وسواها شرقاً؛ كانت المملكة قد ظفرت بمساحة شاسعة غنية بالنفط والغاز شرقا نظير إرجاعها لجبال ووديان شمالاً وغرباً كانت قد أضافتها لخريطتها الجيوسياسية المستحدثة ما بعد اتفاقها مع الإمام سنة 1934م ..
فمنذ قيام الجمهورية 26سبتمبر 1962م وهذه الاستحداثات لم تتوقف عند نقطة وحد فاصل ،فكلما زادت مشكلات وأزمات اليمن الداخلية ابتلعت المملكة مساحات جديدة إضافية ، فكيف إذا ما قلنا بأن اليمنيين في أتون صراعات قبلية ومناطقية وطائفية وأهلية وجهوية لم تعرف التهدئة أو التوقف؟ .
هذه الوضعية البائسة المكلفة مازالت تجلياتها ماثلة إلى الوقت الحاضر الذي ينشد اليمن واليمنيون دعم وعون ونصرة دولة لم تتوقف لحظة عن أطماعها في اليمن، كما ولا يبدو أنها ستتوقف عن تغذية الأطراف المتصارعة ولو على المدى القريب، فيكفي هنا النظر لمجريات عملية الانتقال وللحوار الوطني لندرك حقيقة الأطماع التوسعية، وطبيعة التدخلات والجهات والتحالفات المفوضة لبناء وإقامة الدولة اليمنية الناهضة المستقرة القوية ذات السيادة الكاملة على كامل مساحتها وقرارها.
محمد علي محسن
المهرة إمارة سعودية !! 3825