كنت أتساءل قبل أيام، لو كان الجلوس على مقاعد الحوار مجاناً وبدون أي مستحقات هل سيكون هؤلاء تحت هذه القبة وأمام تلك المنصة؟!.. أقسم أننا من أكثر الشعوب مادية ولم يجعل الله بلداً نامياً إلا لأسباب لا يعلمها إلا هو والأدلة لا حصر لها على حجم الكبر والسفه والنزق الذي نعيشه في هذا الوطن، وأكاد أجزم أن رعاة الحوار ادركوا طبائعنا أكثر مما أدركناها نحن ومن هنا لم تكن رعاية الحوار أمنية، بل مادية، إننا من تلك الشعوب الخاوية من الداخل والتي شغلها تحقيق الاكتفاء المادي عن تحديث وسائل الكسب وتأنيق أدوات العمل والظهور بمظهر العفة والكبرياء.
أعداؤنا يعلمون مكونات نسيجنا الاجتماعي ويستطيعون تمزيق الرأي العام في ساعة واحدة، إننا مجتمع متفكك ومادي وغير مسلح بالعلم ويفتقد للتجربة المبنية على المحاولة الجادة، كما أنه يواجه أسواراً عالية من الثقافات الراكدة في بئر المجتمع بشكل عام والتي تحول دون اكتمال عملية التواصل والاتصال بين أفراد المجتمع بشكل رئيس وبين مجتمعنا ومجتمعات أخرى ذات قيم انتمائية وإنمائية جيدة، يمكن أن تكون درساً فاعلاً إذا ما عرضت على المجتمع بطريقة الطرح التلقائي.
وبالعودة إلى الموضوع أعلاه نجد أن تلك النظرة المادية للبعض بدأت تنعكس بشكل أو بآخر على مبادئ أخلاقية ووطنية نحن في أشد الحاجة إليها اليوم في ظل هذه الموجة العاتية من التيارات السياسية ذات الأهداف الرخيصة والمطامع البالية والتي تستند على ماضٍ سحيق من الأحداث التي نادى بعض أصحاب القرار مدراراً وتكراراً بتجاوزها ونسيانها لأجل الوطن ولأجل هذا الجيل الذي يفتقد للقدوة السياسية الجيدة في أبسط صورها وفي أكمل معانيها.. تلك المسحة المادية المسيطرة على مؤتمر الحوار تكاد تصيب المخلصين من أبناء الوطن بالاختناق، خاصة حين يكون الرأي الشعبي منصباً على الكم الذي سيتمتع به هؤلاء دون النظر إلى الكيفية التي سيتعاملون بها مع قضايا الوطن، وهذه بحد ذاتها جريمة لا يغفرها التاريخ، فالوطن ليس عقاراً للبيع والفكرة الوطنية ليست إعلاناً رخيصاً على أبواب الصحف، إنه المأوى والسكن والعزة والألفة، وليت الجميع يستشعر معنى هذه الكلمة ويتعامل مع هذا الوطن بإنسانية، فالوطن ليس مساحةً من الأرض الجامدة وليس مجموعة من الخدمات والمنشآت الحكومية، وليس مجتمعاً تتفاوت طبقاته وتختلف اتجاهاته وتتباين اهتماماته، ليس حزمة علاقات دولية ولا يمكن أن يكون شبكة قوانين واتفاقيات داخلية وخارجية، إنهُ نحن، بكل ما فينا، الطموح الذي يجعل لحياتنا معنى ويكسبها قيمة، الأمل الذي يبدد أكوام الصعبات التي تجعلنا نصل بعد فوات الأوان أحياناً، إنهُ السكينة التي نعيش في ظلها، رغم أن الخطر يحيط بنا من كل جانب، إنهُ كل ذلك وأكثر.. فهل يفهم الناس هذا؟!.
ألطاف الأهدل
هل يفهم الناس هذا؟! 1506