حافية القدمين رأيتها ذات صباح تشد أرداف خاصرتها مواكب القادمين والغادين إلى سوق الحياة، ملامحها كاسدة وتكاد تخفي بعضها خلف بعضٍ وكأنها تسير مجبرة بل تعيش مرغمة.. جميلة تخفي تقاسيمها المنسقة خلف أثواب رثة، لكن الجمال الرباني لا تخفيه أثواب الدنيا، بل أن بعض النساء يصبحن أروع وأجمل حين تخالطهن موجات الحزن والجوع والحرمان من طعم الاستقرار وربما كانت هي إحدى الجميلات اللاتي علمهن الجوع بعض القناعة وشيئاً من الرضوخ حتى تبدو إحداهن غارقة في بركة من الهدوء وأخرى قبيحة وكذلك هو المال، فكم من وضيع النسب انحنت أمام ماله قامات وتسمرت بين يديه هامات، وكم من قبيحة حملها المال فألبسها أثواب العز وأرخى عليها أستار القبول، فكان لها حق الأمر والنهي وكان لسواها حق الطاعة والخضوع، رأيتها تمد يديها عبر نوافذ العربات ببضاعةٍ مزجاةٍ ورأيت في أعين البعض سؤالاً مكتوباً بحبر الحيرة، فكيف تقف فتاة بهذا الجمال على الأرصفة تنشد الغادين والمقبلين شراء بضاعتها التي جعلتها عذراً لتسويق احتياجها وفقرها وإلا ماعساها تكون القيمة ما عساه يكون الثمن؟!..
البعض يُلقي بين يديها القليل ويرحل شفقة وإحساناً والبعض يملأ عينيه بنظرةٍ عابرةٍ وكأنه يرى فيها صيداً سميناً لا تسعفهُ سنارة الوقت على إلتقاطه، لكن ا لأثم يبقى واضحاً والنية السيئة لا يصعب على الكبار مثلي اكتشافها في إيماءات البشر ترجلت عن نية الإياب وتأديتها لأشتري بعضاً مما تبيع وحاورتها وأنا أقلب بضاعتها بين يدي لعلي أرى فضولي من أسباب وقوعها على الرصيف وإذا بها أكثر جمالاً وأشد براءة وأقسى ظروفاً وأقوى عزيمة مما كنت أتخيل، فهي شابة من بيتٍ له مقام رفيع، لكن الفقر والحاجة لا يعرفان مقاماً ولا رفعة، كان والدها ذو مهنةٍ وصنعة ثم توفاه الموت بعد أن استنفذ المرض جل ما يملك، كان مريضاً بالسرطان كان أخبث مما يتوقع، فبعد أن أفقد الأسرة كل ما تملك أفقدهم أيضاً عائلهم الوحيد. رحل الأب ليترك للأم ست فتيات ليس لهن عائل وكانت "هبه" إحداهن بل أصغرهن سناً وهي لا تتجاوز الرابعة عشرة على أكبر تقدير ما أصعب أن يكون البلاء في المال والصحة والولد، وما أقسى أن تجبر الظروف عزيزاً على أمتهان الذل.. فمن منا يستطيع احتمال أن يرى أبناءه في موقفٍ كهذا وحالٍ كهذه؟! من منا تطاوعه نفسه أن يُلقي بزهرةٍ مثل هذه الطفلة على الرصيف؟! لكن الأهم من هذا أن لا تطاوع الأشرار أنفسهم على إيذاء تلك الصغيرة الجميلة والنيل من براءتها والعياذ بالله.
ألطاف الأهدل
فقر ومرض.......... 1472