ها قد وصلنا إلى حقيقة الحديث النبوي الذي نصه "يأتي زمان على أمتي يكون فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر" أو كما قال (صلى الله عليه وسلم)، فمنذ اللحظة الأولى التي يغادر أحدنا منزله كل صباح يجد ما يستفز حفيظته ويغير فطرته الهادئة ويعكر مزاجهُ المعتدل.. يرفض أحد سائقي الباصات أن يخفض صوت الأغنية المبتذلة ويرى آخر أن تدخين السجار، على مقعد الباص يحمل متعة خاصة ويستخدم آخر هاتفهُ المحمول كوسيلة للفت الانتباه وإثارة الاشمئزاز عبر ألفاظ نابية لا ترضي الله ولا رسوله، زميل في مجال العمل يبتز عملاء المكتب لتسهيل حصولهم على خدمة معينة من المفترض أن تكون مجانية تقدمها الحكومة لمواطنيها، أطفال يلعبون بحبات الحرز الملونة ثم يتنابزون بالألقاب ويتبادلون الألفاظ السيئة في اسوأ صورة للانفلات الأخلاقي بين الأطفال، أحدهم يوقف سيارته بطريقة خاطئة تعيق استفادة السائقين من الطريق العام وآخر يقف في وسط الطريق متحدثاً إلى آخر في حين يقف خلفه طابور من باصات الأجرة في عز الظهيرة، سائق آخر يحمل الركاب إلى محطة البترول ليتزود بالوقود وكان من المفترض أن يقوم بصيانة عربته وتزويدها بالوقود منذ وقتٍ مبكر منذ أول النهار، موظفات في دائرة حكومية يغلقن المكتب لأكثر من ساعة لغرض تناول الإفطار والمراجعون من المواطنين في انتظار الـ"هوانم" أمام أبواب المكاتب، معلمات مدارس حكومية وغير حكومية مخشوشنات وكأنك حين تتحدث إلى إحداهن تخاطب واحداً من "شُقاة الجولة"، أطباء لا يستخدمون القفازات الطبية أثناء إجراء الفحوصات السريرية وكأن أحدهم يفحص زوجته!، معلمون مهملون في مظهرهم الخارجي وكأنك حين تراهم ترى مضيفاً في مطعم شعب.
عن أي شيء نتحدث وكم من الأخطاء يمكن أن نحصر؟!، فبينما القاعدة الشرعية قول "لا ضرر ولا ضرار" نجد حال الواقع مشحوناً بالإضرار، ونحن بين هذا وذاك نقبض على ديننا الذي أمرنا بكظم الغيظ والعفو عند المقدرة.. حين نتحدث عن الأمانة وضرورة الإخلاص في العمل يتهمنا الآخرون بالمثالية، وحين ندعو للفضيلة شكلاً ومضموناً نُتهم بالتشدد، وإذا حاولنا أن نكون قدوة حسنة لسوانا من الناس وجدنا من يحاول زرع الأشواك في طريقنا، حتى أصبح الفساد حالة عامة والدعوة إلى الرقي الاجتماعي حالة خاصة، أو ربما شاذة والشاذ لا يقاس عليه كما في قاعدة القياس السلوكي.
وإذاً ألسنا نحن القابضون على الجمر؟! ألم تصبح الفضيلة والخير والعدل والسلام جمراً؟!.. متى يصبح كل امرئ منا واعياً بما له وما عليه؟! ومتى نطبق إسلامنا على أرض الواقع ونحول قواعده التشريعية إلى سلوك مسؤول وجاد؟!.. كلكم مسؤولون عن الإجابة إذا أردتم مجتمعاً حضارياً راقياً.
ألطاف الأهدل
القابضون على الجمر 1502