لا تقف العاصفة على أبواب القدر ولا يستأذن المطر السحابة ولا يهمس الموج في أذن الشاطئ ولا تستفيق الشلالات من سكرة السقوط في الذات.. كل شيء يحدث أردنا ذلك أو لم نرد، أحبننا ذلك أو لم نحب.. كثيراً نحاول الإمساك بذلك الخيط الرفيع المموه الذي يفصل الأفق عن فضاء إراداتنا وكثيراً ما نفشل في الوصول إليه، لكننا ومنذ أن تشرق الشمس حتى تغيب نبقى في مضمار المحاولة لعلنا نصل، الحياة ليست تلك السفينة التي تقل أرواحنا من شاطئ إلى شاطئ، هي ليست تلك المرحلة المعتمة من عمر الكون، هي ليست المحطة التي نتوقع الوصول إليها بعد الرحيل عنها.. هي ليست ما نشاء أبداً.. ولهذا لا يجب أن نكثر السخط حول تلك العثرات والكبوات والهفوات التي نفعلها أو نفتعلها بغباء، لأننا في نهاية الأمر بشر وفي نهاية الأمر أيضاً لابد أن نتوب، بل لابد أن نطلب من الله كل أسباب ودوافع التوبة لإغلاق أبواب النفس على ما تشتهي وما لا تشتهي ولأن لأنفسنا لجاماً لابد أن ترتديه حتى لا تحين ساعتها وهي سافرة، الحياة والموت متداخلان تماماً كحال الليل والنهار كل يوم، فلا زمن يفصل بين سطوع الشمس وبزوغ القمر وكأن اتفاقاً أبدياً بين النور والعتمة قد حدث فكان ليل وكان نهار، فالحياة ليست بداية والموت ليس نهاية ولكل منهما امتداد مشروط بإرادة الله لكننا لا نعلم موعد تلك اللحظة التي تفصل بينهما هنا في الدنيا أو هناك في الآخرة، يتسلل الزمن عبر شرايننا لتسكن آثاره كل زاوية فينا، يعبر حدود أجسادنا نكبر ونشيب كما تشرق الفرحة فينا خلسة وتغيب خلسة، نهوى ونذوب وخلسة ننضج ونتوب.. نتقاسم مذاق المراحل مع أيام تسير وأخرى تحبو وثالثة تزحف، يثقل كاهلها الخوف من سكنى القبور وفراق الرحابة.. كل شيء يحدث دون أن يكون لنا حق التقرير أو الاختيار عدا في صنع القائمة التي يكون العقل فيها هو القائد، لذا تمر الغيمات على المدائن النائمات، على شواطئ المستحيل، وتحمل القمم باقات العشب النابتة على صدر الدهشة، وتنفرد الأنجم الساحرات بالرقص بين يدي الحلم وتنسكب الأمنيات كالأثير على قيثارة الصدى.. لذا تتمدد رغباتنا في تابوت الممكن أو المعقول باسمة، لذا نعيش وتعيش كل ذرة حولنا على أرجوحة القدر، نذهب تارة ونعود أخرى، لكننا لا نترجل عنها إلا إلى تلك اللحود الضيقة التي لا تشبهنا ولا نشبهها، لكنها يمكن أن تكون مسكن طيبة حتى نحيا من جديد في عالم كل ما نعرفه عنه أنه أكثر مساحات الكون عدلاً ورحمة.
ألطاف الأهدل
بلا سابق إنذار 1571