تدهشني وتلفت نظري دائماً براءة الأطفال وتساؤلاتهم حيناً والخائفة حيناً آخر.. "حمادة" أصغر ابنائي لازال الملهم الصغير لبعض كتاباتي وقد وجدت نفسي غارقة في موجة ضحك عارمة قبل أيام حين وضع أمامي عصا صغيرة وتودد إلي ان لا أضربه بشدة وأنا ألقنه أول دروس جدول الضرب الحسابي، حين سألته عن تلك العصا ولماذا وضعها أمامي بمعية كتاب الرياضيات، أجابني بتردد وحذر: أليس هذا جدول الضرب؟!.. فأجبته: لا يا حبيبي، سُمي هكذا لأن هذه العلامة الحسابية "×" تسمى جدول الضرب.. وعندها فقط رأيت ابتسامتهُ العريضة التي تملأ قلبي بالسعادة وبدأت وإياه رحلة حسابية هادئة تبدأ بقراءة أفكاره ومعرفة مداه الاستيعابي أو طاقته الاستيعابية وها هو يسير في الأمر على خير ما يُرام.
ما أود أن يعرفه القارئ الكريم أننا كآباء وأمهات لا نجيد الإنصات، لذلك الصوت الخافت الذي يسكن صدور أبنائنا ولا نحاول اصطياد تلك الأفكار المذهلة والخلاقة التي تدور في أفلاك عقولهم.. شخصياً أرى أن في حوار الأطفال متعة لا تعادلها أي متعة خاصة حين تكون مقرونة بالتطبيق الذي يخلق فرصاً أخرى لخيال أكثر خصوبة بالاعتماد على أدوات واقعية ملموسة.
أذكر أنني استوعبت جدول الضرب هذا بصعوبة شديدة اثناء المرحلة الابتدائية والسبب يعود لمعلمة عنيفة جعلتني أرى في تلك العمليات الحسابية البسيطة أهراماً رقمية لشركات نقدية عالمية، لدرجة أنني كنت أنتحب على مخدتي كل مساء دون أن يشعر بهذا أحد، وازدادت العقدة تدريجيا بعد إصرار والدي على الالتحاق بالقسم العلمي لسبب وحيد، لأن لي أختاً أكثر مني تقبلاً لهذه المادة، بل إنها كانت مغرمة بالمواد العملية، بينما كنت أنا عاشقة للأدب بكل فروعه المختلفة.. لكن ونزولاً عند رغبة والدي فقد التحقت بالقسم العلمي ولكنني تخرجت فيما بعد من كلية أدبية اجتماعية قلما تستعين بتلك المادة العلمية على سبيل الإحصاء والنسيبة مثلاً.
من هنا كان حرياً بكل أم وأب أن يحسنا اختيار الوقت المناسب للاستذكار بما يتوافق مع وقت الفراغ المناسب لهما حتى لا يكون وقت الاستذكار للطفل مبنياً على علاقة شد وجذب بما لا يدع للطفل فرصة للاستيعاب المنطقي الهادئ ولا يمنح الوالدين أيضاً وقتاً كافياً لأداء التزاماتهما المنزلية.
وأرى أن من أفضل ما يمكن أن تقدمه للطفل بالنسبة لحفظ جدول الضرب، البساطة في الطرح والإثراء بالتمثيل "الأمثلة" وأخذ جدول زمني خلال الأسبوع للمراجعة والتثبت، إنهم صفحات بيضاء ولا ينبغي أن نمزقها في لحظة انفعال قد تهدم كل ما بنيناه وما سنبنيه مستقبلاً.
ألطاف الأهدل
جدول الضرب..... 2164