على صفحات وجوهنا يقرأ الناس فصول حياتنا بكل تفاصيلها الدقيقة، وعبر تلك الخطوط الرفيعة التي ترتديها وجوهنا عابسة أو ضاحكة يفهم الناس ما تحوي قلوبنا وما تضمر نوايانا سيئة كانت أم حسنة، كل أقنعة الأرض لا تحمل وجوهاً تخفي خلفها أرواحاً حاقدة ويائسة، وكل مساحيق الدنيا لا يمكن أن تصنع وجهاً وديعاً اليفاً وقد غذته النية السيئة بدماء المكر والخداع.
وجوهنا مرايا لأرواحنا فإذا اردنا أن نعرف أي روح نحمل بين جنباتنا فلننظر في المرآة، حاجبان منحنيان وجبين عابس وشفاه حانقة وعينان يتطاير منهما الشرر.. هذه ليست علامات لأرواح باهتة، غارقة في وحل الغفلة، فكيف نعرف إذاً أن ارواحنا ليست على ما يرام؟!.. اعرف روحك التي تسكن جسدك عبر ذلك النور الخافت الذي يزين محياك وذلك الرضا الذي يكسو وجنتك وذلك البريق الساحر الذي ينبعث عن مقلتيك وتلك الإبتسامة المغلفة بالبلسمة على شفتيك... اعرف روحك عن طريق تلك السكينة التي تتغشى ملامحك ثم تنعكس في ذبذبات لا تشعر بها لتحرك كل أطرافك نحو الخير وتدفع بكل جوارحك إلى الفضيلة، لهذا قال الله (سيماهم في وجوههم)... فكن نفسك، كن روحك التي تسكنك، اتبعها حين تأمرك بخير واستجب لها حين تنهاك عن شر أو رذيلة أو معصية، ذلك النور الذي ينبثق عن الروح لابد وأن يصل إلى كل زوايا الجسد عبر تلك الشقوق التي تجعل هذا الجسد يطفو على السطح وهذا من عظمة صنع الخالق البارئ المصور..
اسقي تلك الروح، تعهدها بالرعاية حتى يصبح وجهك خالياً من الشوائب أو الأدران التي تتركها الذنوب كآثار واضحة لا يمكن إخفاؤها إلا إذا غسلنا أرواحنا بماء الغفران الرباني، البعض يتعامل مع وجهه كقالب منفرد عن باقي جسده، والبعض يغوص إلى أعمق قيعان روحه دون أن يهتم بتفاصيل وجهه، والبعض يعيش كدابة لا يعلم عن وجهه أو روحه شيئاً إلا أن يشاء الله، لكن ولأننا أمة سط والاعتدال يجب أن نحسن التسويق لأنفسنا عند الله وعند الناس أيضاً، فالبشر يقرؤون وجوهنا والله وحده من يعلم ما تخفي أرواحنا وأي نوع من ثياب التقوى ترتدي، فالأرواح تتستر بالأثواب كما تتستر بها الأجساد، روح ترتدي الحرير والديباج وترفل بثياب العزة والكبرياء وأخرى ترتدي أثواب الستر وتقنع بالرضاء وتتوق للكفاية، وثالثة ترقع أثوابها بالفقر وتعيش في ثوب الزهد ولا يحملها الطموح على ارتداء أثواب القرب من الفردوس الأعلى.. وكما تبدو الوجوه تبدو الأرواح والعكس من هذا لا يصح، لأن الصلاح إنما يبدأ من الداخل، فالقيادة للروح والطاعة من الجسد.. لهذا يؤمن بعضنا ويبقى بعضنا عائماً على بحر الغواية يقذفه الشك ويدفعه اليقين، وهو بين هذا وذاك بشر من طين.
ألطاف الأهدل
الوجه مرآة الروح 2789