نعمة أن تفتح عينيك كل صباح لترى النور، نعمة أن تسير على قدميك دون أن تتكئ على عكاز أو تحمل جسدك أربع دواليب تحمل مقعداً متحركاً، نعمة أن تمشي حراً لا تقيدك الوحدة ولا تقصيك عن واقع الفراغ، نعمة أن تتلذذ بالقصائد التي يتلوها على مسامعك هذا الكون الرحب بما فيه من أصوات فاتنة تصدرها الطيور والأشجار والعواصف وتزيدها حلاوة أصوات البشر الذين يبيعون ويشترون وينادي بعضهم بعضا بما يحبون من الألقاب والأسماء والألفاظ الطاهرة.. نعمة أن تستنشق الهواء العليل الذي يتسرب إلى جوفك دون قيوداً وحواجز، نعمة أن تتلذذ بفنجان القهوة الساخن وأقراص الخبز المقرمش ومكعبات الجبن الناعمة وبعض العسل الصافي، نعمة أن تتفنن في تناول الطعام وأن تستطعمه وأن تتعامل معه كمتعة تخاطب الحواس، نعمة أن تحتاج لتشرب فتكرع كأس الماء الزلال دون أن يفشل جسدك في استيعاب رسالة الارتواء والعطش، نعمة أن ترى فقيراً فتمد يدك إلى جيبك وتعطيه ما كتب الله له، ونعمة أن ترى عاجزاً فتساعده وعاثراً فتقبل عثرته وجائعاً يتعفف أن يقرأ الناس أسطر الجوع على وجهه فتطعمه دون أن تنظر إليه، نعمة أن تقرأ وتكتب وتتابع أمور الحياة من حولك، نعمة أن تعبر عن رأيك أو تحتفظ به لنفسك، نعمة أن تستطيع التعبير عن مشاعرك لمن تحب وتستطيع فهم مشاعره كما يجب.. كل تلك نعم عظيمة من سلسلة النعم التي نشعر بها أو لا نشعر بها إلا إذا افتقدناها، هي نعم من سيل نعم لا تعد ولا تحصى، فلله الحمد عدد نعمه ونقمه وكل ذره في أرضه وسمائه.
كتبت عن هذه النعم اليوم حتى نستشعر قدر ذلك الألم الذي يعيشه المرضى والسجناء والفقراء والمحرومون من كل أنواع المتع الدنيوية.. كتبت ذلك حتى نستشعر قدر المسؤولية عن صحتنا وفكرنا وسلوكياتنا، لأن الطاعات المقرونة بالخوف والرجاء تقربنا من صاحب النعم الذي يغدق علينا منها ما نشاء وما نحن بحاجة إليه لنعيش بسكينة وهدوء وقدرة على العطاء، ذكرت بعضاً من النعم التي لا نشعر بوجودها وقد نسيء استخدامها وقد نهملها أو نعطل حجم الاستفادة منها، إنها تلك الثقافة السائدة وأنماط السلوك المتبعة بشراهة وبدون رقابة ذاتية وخارج إطار الروحانية المفترضة، فالكثير من النعم يظهر الإحساس بها تعاملنا الحيواني مع أنفسنا والإبقاء على مرحلة المحاكاة الفطرية هي القائد الفعلي لسلوكياتنا.