نخطئ كثيراً حين نعتقد أن كلمة اعتذار نلقيها على مسامع الناس في لحظة يأس مشوبة بالكبرياء ستكون كافية لإزالة ذلك الأثر السحيق والجرح العميق الذي تتركه كلماتنا القاتلة لهم، لكن الحقيقة وفقط لأن الإنسان ملول بطبعه، قد تضطره مواقف كثيرة إلى العفو والتجاوز الذي لا يصل حتماً إلى مساحة غفران كافية ولهذا فإن من الأفضل أن نغربل أفكارنا وألفاظنا قبل أن نلقيها على مسامع الناس من عرفنا منهم ومن لم نعرف، وبالإضافة لذلك فنحن مسؤولون في أغلب الأحوال عن تقديم اعتذار لائق وصريح ومتضمن للحجة أو السبب الكامن خلف الإساءة مع مراعاة الحصول على موافقة الطرف الآخر وقبوله وأن يحمل هذا الاعتذار شيئاً من رد الاعتبار أيضاً، فليس من السهل أن تلتئم جراح النفوس ومثلها في ذلك مثل جراح الجسد، بل قد تكون أشد وطأة.. حين نعتذر ممن أسأنا إليهم يجب أن تكون لدينا قناعة كاملة بتقديم الاعتذار واعتراف حقيقي لحجم الخطأ الذي اقترفناه وأن لا تكون دوافع الاعتذار كلها دوافع شكلية لا أكثر ولا أقل.. غير أن من المفترض أيضاً مراعاة طبائع الأشخاص أثناء تقديم الاعتذار، فمن الناس من يغلب عليه طابع التسامح وهو شديد الغفران وحريص على عدم إبقاء الآخر في مساحة إحراج وقلق كبيرة، بينما هناك من الناس من تسكن كل جوارحه وتهدأ كل خلجاته، رغبة في الحصول على اعتذار يشبع مساحة النقص في داخله ولهذا نحذر دائماً من عدم الدخول في مساحة نقاش مع هؤلاء خاصة وأن الذوق العام قد يجبرك إلى إصلاح موقفك منه بسرعة وبشكل لحظي.. "آسف" هي كلمة اعتذار شائعة تحمل الكثير من المعاني، فهي تعبر عن أسف المخطئ أو المعتذر عن خطئة وتعبر أيضاً عن أسفه على وقوفه في هذا الموقف الذي وضع فيه رغماً عنه..
كما أن لهذه الكلمة مدلولاً خاصاً بذلك الشخص الذي يبطئ في قبول الأسف ويتردد في إعطاء المعتذر مدلولات الصفح والغفران، فنجد أنفسنا أحياناً نصرخ داخل مساحة الاحراج فينا دون أن يسمعنا أحد آسف لأني أعتذر لشخص لا يستحق الاعتذار!).. وعلى كل حال فإن الاعتذار لا يقف عند حد الكلمة الآنفة الذكر، لأنه بهذا سيكون اعتذاراً جامداً، وقد لا يؤدي إلى الغاية منه إذا لم يقترن برغبة حقيقية لإعادة المياه إلى مجاريها كما يُقال، وأعتقد أن فنجان قهوة أو هدية بسيطة أو دعوة إلى الغداء سيكون لها أثر كبير في ترجمة الاعتذار وإزالة شوائب الحدث العالقة في النفس.. البعض يغلو كثيراً في قبول الاعتذار ليشترط حدوثهُ على الملأ وأنا شخصياً أكره ذلك جداً وأفضل أن أحمل في قلبي مساحة غفران كافية، إلا إذا كان المخطئ قد تجاوز بخطئه كل الحدود الأخلاقية وأعطى للآخرين فكرة سيئة ولا مسؤولة عن صفة تمسني، فهناك قد لا أقبل لهُ اعتذاراً إلا إذا كان علناً بما يكفي لإصلاح الخلل الذي اقترفهُ في حقي وأرجوا أن لا يحدث ذلك معي أبداً.
ألطاف الأهدل
اعتذار مرفوض! 1940