في كل مكتب حكومي أو دائرة خدمية أو مشفى تعاوني أو حتى عربية موز يوجد طفاح صغير أو طفوح على وزن "سنفور"، هل تعلمون لماذا؟!.. لسبب بسيط، أننا نسيء استخدام آلية السلطة ونسيء فهم معناها أيضاً..
فالموظف صاحب الدمغة أو الختم أو التوقيع يحضر متأخراً ويبدأ في تفحص العميل أو المستفيد أمامه طولاً وعرضاً وكأنه سيمنحه صكاً من صكوك الغفران، والمدير يزأر ويجترح الألفاظ النابية بتهور ملفت وكأنه بهذا يصلح الكون كله.
الموظفة أيضاً تدلوا بدلوها في بئر البطش والتلكك وتحاول أن تخلق لنفسها جوّاً من التسلط والهيمنة وكأن هذه المؤسسة أو ذلك المكتب الحكومي ملك الـ"بابا"..
الأب داخل المنزل، والممرض في أي عيادة وسائق الباص في أي فرزة.. الكل يتعامل وكأنه صاحب قرار نافذ من حقه على الجميع تنفيذه حرفياً دون أي تراجع، لأن أياً منا يرى أن في تلك المسؤولية الملقاة على عاتقه فرصة للتسلط على سواه ممن لا يملكون حق الرفض أو القبول.
لدينا إحساس عميق بالنقص ونحاول تعويضه بفرض الهيمنة الكذابة على من هم أضعف منا وأقل شأناً من شأننا، كلنا في هذا المجتمع مصابون بجنون العظمة، بل إن لدينا صفة من أسوأ صفات البشر، فقرٌ مقرون بكبر وغطرسة!.. قبل فترة بسيطة قررت الحصول على خدمة اتصالات هاتفي وأتممت معاملتها كاملة ولم يبق إلا أن يحضر موظف البريد المختص إلى المنزل للتأكد من وصول الخدمة، تواصل معي فاعتذرت بشدة، كوني كنت حينها في مقر العمل ولا أستطيع مغادرة مكتبي لاستكمال الإجراءات، غير أنني كنت صادقة في أن التزم بذلك في اليوم التالي، وفعلاً حضر الموظف في اليوم التالي وقام باستكمال إجراءا التوصيل بعد إلحاح شديد مني لأنه كان قد رفض أن يعود ملقياً في وجهي ألفاظاً لم أكن أتوقع أن أسمعها من موظف ربط بريدي ليس بيني وبينه ثأر أو ميراث نقتمسه!..
والمهم أنه حضر ثم غادر على أساس أن كل شيء على ما يرام وإذا بي أتفاجأ بعد أن أوصلت الجهاز بتلك الأسلاك أن الحرارة لا تزال مقطوعة عن المنزل، فعاودت الاتصال به وكان جوابه" هذا مش شغلي" طيب هل ينص قانون المهام الإدارية في مكتب البريد أن يقوم موظف التوصيل السلكي وموظف آخر بالتوصيل اللاسلكي؟! هل أصبح بث الحرارة الهاتفية في عروق تلك الأسلاك تخصصاً؟! متى تنتهي نظرية طرزان الذكر الفحل الهام في مجتمعنا؟! متى نتخلص من نظرة الدونية التي تغمرنا بها أعين الرجال من حولنا حتى لو كانوا من داخل منازلنا؟.. لقد اكتشفت أن هذا الموظف يتعامل معي بتلك الطريقة الوقحة، لأن الخط الهاتفي الجديد باسمي وليس باسم والدي أو أخي أو ابني.. طيب إذا كنت أنا صاحبة المال الذي دفع للحصول على هذه الخدمة هل يجب أن أنسب مالي لأحد هؤلاء الفحول حتى تتم إجراءاتي بسلام؟! هل يجب أن أكون طفاحة أنا أيضاً؟! كيف نشكو ظلم الطفافيح الكبار وكل واحدٍ منا طفاح في عمله أو داخل منزله؟!.
ألطاف الأهدل
بلد المليون طفّاح! 1739