مساء أمس، إستغرب قائد القوات الجوية اللواء/ راشد الجند، مطالبة البعض بمحاكمة قيادات وزارة الدفاع والقوات الجوية وإقالتهم أو استقالتهم نتيجة الحادثة المؤلمة المتمثلة بسقوط طائرة عسكرية ظهر أمس بحي مكتظ بالسكان والمنازل وسط العاصمة، وقال ـ مقسماً في حديثه للفضائية اليمنية ـ إنهم سيعلنون بشفافية نتائج التحقيقات والملابسات حول الأسباب التي أدت إلى سقوط طائرة حربية من طراز "سوخواي" المعروفة بـ"سو22 أم4".. وإن ظروف الخروج بنتائج وكشفها هذه المرة ملائمة مقارنة بحادثة الطائرة "الأنتينوف" التي سقطت في الثلث الأخير من نوفمبر 2012م.. هكذا بكل بساطة يظهر قائد القوات الجوية على شاشة التلفاز الرسمية، ويعزي أسر الضحايا ويحاول التنصل من مسؤوليته بالحديث عن الظروف الصعبة التي جاء فيها إلى هذا المنصب.. في حين أنه كان من المفترض ـ وبحسب جميع نواميس الأرض لا السماء التي تعترف بقيمة الإنسان ـ أنه كان على قائد القوات الجوية أن يعلن استقالته على الهواء مباشرة من باب الشعور بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية طالما وهو الرجل الأول في هذه الوحدة العسكرية "الجوية" خاصة وأن الحادثة ليست الأولى بل إنها الثانية خلال أربعة أشهر.
لن أقلل من مستوى الطيارين والمهندسين اليمنيين، ولن أنكر أن قواتنا الجوية عبارة عن خردة تحلق في السماء في حفظ الله، وهذا الواقع، لكن ما يجب أن يعرفه الجميع أنه طالما وقيادة وزارة الدفاع والقوات الجوية تدرك بأن محمد صالح ـ شقيق الرئيس السابق ـ سلّم القوات الجوية وهي متهالكة ومعظم طائراتها وأسرابها بحاجة إلى إعادة "تعمير" ـ كما يسمى في المصطلح العسكري الجوي ـ فلماذا تصر هذه القيادة على المخاطرة بحياة الطيارين والمدربين والمتدربين، والمواطنين، سيما وأن هذه الطائرات "تحلق" فوق مدن سكنية بحكم موقع نقطة الإقلاع والوصول، بما يعني أنها لا تطير فوق البحر أو صحراء، كي يأمن الجميع أي مخاطر كارثية قد يسببها سقوط الطائرات وسط مدن مزدحمة بالمساكن والسكان كما حدث أمس ونوفمبر الفارط.
على وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد القوات الجوية أن يدركوا أن ثمة مسؤولية أخلاقية وإنسانية توجب عليهم أن يقدموا استقالاتهم قبيل تصاعد الأصوات بالإقالة والمحاكمة معاً لتهاونهم بحياة المواطنين اليمنيين، كون هذه الكوارث المؤلمة تتكرر بين الفينة والأخرى ولأسباب عادة ما تتعلق بالجانب الفني والهندسي وحالة الطائرات العسكرية المتهالكة التي هي عليها اليوم نتيجة فساد نظام سابق ولازال مستمراً من خلال القيادة الجديدة التي لازالت تعمل بنفس العقلية وبأقل سيطرة.. جميعنا نؤمن بالقضاء والقدر، ولكننا أيضاً نؤمن ـ في نفس الوقت ـ بأن ديننا الحنيف يحثنا أيما حث على العمل بالأسباب، جميعنا يدرك بأن قائد القوات الجوية حديث العهد في منصبه، إلا أننا جميعاً نعرف بأن ديننا الحنيف أيضاً ارتقى بالنفس البشرية إلى أعلى مصافٍ وجعل هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله عز وجل من إراقة دم امرئ مسلم، فما بالنا بعشرات المسلمين".
قد يذهب البعض إلى القول بأن الحديث عن استقالة سالفي الذكر لا جدوى منه لأننا في بلد غير ديمقراطي، وهذا تقدير خاطئ كون الأمر لا يتعلق بديمقراطية حقة وناشئة أو غير موجودة أصلاً، قدر تعلقه بالشعور بالمسؤولية الإنسانية قبل الوطنية، كون القضية متصلة بحياة أناس أبرياء لا جرم لهم سوى أن القضاء والقدر حكم عليهم العيش في بلد اسمه اليمن، تعد النفس البشرية فيه أرخص من أي شيء موجود حتى الحديد، ولأنها كذلك سيتم الإعلان عن لجنة للتعويض وإقرار المبالغ المخصصة للضحايا والمكلومين قبيل حتى الإعلان عن نتائج التحقيقات.
وزير النقل المصري حين اصطدم قطار بأحد باصات النقل في محافظة أسيوط، سارع إلى الاستقالة ولم يقل إنها من مخلفات النظام السابق، ولم تحدثه نفسه الأمارة بالسوء بأنه ليس في بلد ديمقراطيته ناشئة، أو أنه عُين حديثاً، فشعوره بالمسؤولية أمام أكوام اللحم والعظام للأبرياء دفعته للاستقالة من منصبه لأنه يعرف قيمة النفس البشرية عند الله وفي جميع بلاد الله إلا اليمن.
أنا هنا لا أحرض ضد وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو اللواء الجند بقدر ما أكتب ما يجب أن يسارعوا إلى فعله، ما لم فإن محاكمتهم وإقالتهم واجب وطني.. لا يزايدوا علينا بأنهم قبلوا بهذه المناصب في مرحلة صعبة، فما يتقاضونه من مبالغ مالية تتجاوز الملايين في الشهر الواحد كفيلة بأن تجعلهم يهرولون ويتدافعون ويتسابقون على هذه المناصب.
عزاؤنا لأسر الشهداء والمكلومين ودعواتنا للجرحى بسرعة الشفاء، ودعواتنا على من تسبب في هكذا كوارث، فجائع تجعلنا نخاف من شبح الطائرات بدون طيار أو بطيار فالنتيجة أصبحت متقاربة خاصة وأن الضحايا مدنيون أيضاً وقتل خارج القانون.
في الأخير أدعو قائد القوات الجوية أن يتحمل مسؤوليته الوطنية ـ طالما وهو حريص على البقاء في منصبه ـ وأن يعمل بنصيحة الطيارين في إلغاء جميع الصفقات التي عقدها سلفه، كون المسألة ليس لها علاقة بالغرف المغلقة التي يتحدث عنها..
إبراهيم مجاهد
سقوط الطائرات وموجبات الاستقالات.. 2024