احتفالنا بعيد الثورة الشبابية لا يعني رغبتنا في ترسيخ أهدافها فقط ولا يعني أيضاً اعترافنا بضرورة إبرازها كحركة إنسانية ذات قاعدة أخلاقية قائمة على العدل بين الناس فعلاً وقولاً، مع الاعتراف بأن وجود الظلم كان سبباً في إحداث تلك الثورة، بالرغم من ارتدائها الثوب السياسي البغيض في مرحلة من مراحلها الماضية، فالمهم ليس في إحياء ذكرى الثورة أو تلاوة أهدافها تلاوة شفهية لا تؤمن بها الحواس ولا تطبقها الجوارح، بل المهم حقاً أن نستمر في العمل ميدانياً في طريق الدعوة للسلام والحوار وعدم إنكار وجود الآخر وبكل ما يعود على الوطن بالخير والاستقرار.. نحن نحتفل سنوياً بثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من اكتوبر ولكن هل عمل الشعب على أرض الواقع وبجدية كاملة على تحقيق أهداف ومبادئ تلك الثورتين المجيدتين اللتين كانتا باباً لدخول الديمقراطية إلى الوطن؟.. في الحقيقة لا نزال أسرى لحكم الذات المتطرفة والأنا الناشز عن طاعة الجماعة، لازلنا نقف تحت مظلة التعصب ولكن بشكل ديمقراطي، كلنا يرفع كفيه للاعتراض ويعتلي منبر الشعب للتنديد، لكن ليس منا من يعمل بصمت على أرض الواقع، ليس منا من يدعو إلى الله على بصيرة، وكلنا يعلم أن الدعوة إلى الله لا تكون فقط بإثبات وحدانيته والاعتراف بقدرته وإنما الأمر يفوق ذلك بكثير، فالدين المعاملة ومن أفضل الجهاد جهاد النفس ولا أعتقد أننا جاهدنا أنفسنا في طرح الأحقاد والجنوح إلى السلم ونشر مبادئ العدالة بين الناس والأخذ بيد الضعيف والضرب على يد القوي الظالم.. هذه هي الثورة التي يجب أن تبدأ اليوم، ثورة ليس لها ضحايا ولا جرحى، ثورة لا يمكن أن تستغلها أو تستفيد منها السياسة، فالسياسة قد تجعل من كل شيء سرجاً لها عدا الدين والأخلاق، فكل من هذه الأشياء لا يذوب في الآخر وهذا يشبه معادلة الزيت والماء التي لا يمكن أن تتحقق فيها شروط التوازن أبداً.. ربما أصبح الحادي عشر من فبراير عطلة رسمية كل عام، لكن هذا لن يكون إنجازاً وليس بالشيء المفيد إذا لم نرسخ للثورة من جانب أخلاقي وهذا يستدعي وجود منهجية معتدلة ومتوسطة تدعمها قوافل من القامات السياسية والدينية والأكاديمية المؤمنة بثورة إنسانية وأخلاقية عادلة تدعو إلى الفضيلة وتعاقب من يفتعل الرذيلة وتجعل أول خطوة من خطوات الاستقرار المجتمعي الشامل تعليم الشباب وتثقيفهم وتزويدهم بالسلاح الثقافي والتكنولوجي الذي يساعدهم على معرفة، وإدراك حركة التاريخ الحضاري من حولهم، مع عدم الاكتفاء بالمناهج التعليمية الحالية كأساس معرفي فهي قاصرة جداً عن أداء مثل هذه المهمة..
إن الثورة الحقيقية التي ننشدها جميعاً ليس لها سلاح إلا القلم وليس لها أكفان إلا الورق وليس لها ذخيرة إلا العزيمة والإصرار والالتفاف حول مبادئنا الدينية والارتكاز على محاور عقائدية هامة وبدون هذا لن تنجح مائة ثورة لا يؤمن أصحابها بأن التغيير يبدأ من الداخل وأن الحرية ليست رياحاً جنوبية أو شمالية موسمية وأن الإنسان يستطيع أن يكون فقط إذا أراد هو ذلك.
ألطاف الأهدل
ثورة من نوع آخر 1741