تنطلق حملات التحصين بين فترةٍ وأخرى للقيام بمهامها الأولية المعهودة تجاه الأطفال كل عام ولكنها بكل أسف لا تتمكن من تغطية المناطق المستهدفة تماماً، إما لانتهاء الكمية الدوائية في نقطة معينة أو لعجزها عن إيصال رسالتها إعلامياً نتيجة لضغف إيمانها بحجم الرسالة التي تؤديها تجاه أطفال الوطن.. لكن السؤال ليس عن إمكانية التمويل الجيد أو الإعلان المدروس حول هذه الحملات وإنما حول عدد الأطفال الذين يموتون سنوياً أو يصابون ببعض الأمراض التي من المفترض أن تكون قد غادرت قائمة الأمراض الأشد فتكاً بالطفولة بفعل التطور العلمي للوقاية وآلية التفاعل مع جرعات التحصين، فالملاحظ أن نسبة عالية من أطفال اليمن يرحلون سنوياً إلى العالم الآخر لأسباب مرضية فيروسية لا يقف التحصين منها أي موقف دفاعي يذكر, والسؤال الآخر حول استيفاء جرعات التحصين تلك للشروط الدوائية أو المواصفات الاستهلاكية بشرياً، إذ من الملحوظ أنها خاملة على المستوى الوقائي بشكل لافت للنظر؟!..
وإذاً فإما أن تكون تلك الجرعات تحوي مواداً قاتلة لأطفالنا وإما أن تكون خالية من كل الإمكانات الاستشفائية لتصبح عديمة الجدوى أمام مختلف الأمراض ذات القواعد المعدية أو غير المعدية.
إن ما يثبت ضعف جرعات التحصين تلك انتشار مراكز الرعاية الأولية للأمومة والطفولة بإمكانياتها المتواضعة التي تفتقر للخدمات الطبية المتقدمة والتي تسير على شاكلة الحملات سالفة الذكر وفق خطى وئيدة تفتقر للديناميكية الوظيفية والاجتماعية، كما أنها تفتقدر للحصر والإحصاء والتاريخ لسواها أو سابقاتها من الحملات..
ومن هذا المنطلق لا يجب أن يبقى أطفالنا رهائن للوهم المرضي حتى تصبح الصحة أمينة والطاقة البدنية حلماً صعب المنال, وإذا كان من خدمة تقدمها الحكومة لهذا النشء فإن التغذية الجيدة للأطفال هي الأساس في التحصين ضد أمراض الطفولة القاتلة.. ومن باب أولى أن تجتهد هذه الحكومة لدعم المواد الغذائية الداعمة لصحة الطفل كالحليب والتمر والبيض والأجبان والفواكه والخضار والحبوب الكاملة, كما أنها مسئولة أيضاً عن حماية الأطفال من المواد الغذائية الاستهلاكية سيئة السمعة كتلك المترعة منها بالأصباغ المحظورة صحياً والأخرى التي تحوي مواداً حافظة ذات سمعة استهلاكية شديدة الخطورة إلى سواها من المواد الغذائية ذات الصلاحية المنتهية والتي تعج بها أرصفة الشوارع في شرق الوطن وغربه..
على حكومتنا غير الرشيدة أن ترشد من استهلاك حملات التحصين وأن تركز على حق الطفل في الحصول على غذاء جيد ورعاية طبية فاعلة بتقديم وجبات وأنواع من الطعام الجيد للأم أثناء فترة الحمل مجاناً عن طريق مراكز الرعاية الأولية للأمومة والطفولة، كأن يتم تزويد كل أم باسطوانة حليب مجفف وبعض الأجبان وزيت الزيتون والعدس لضمان تغذية سليمة طوال فترة الحمل مع الإبقاء على بعض الأصناف مدعومة وفق برامج اقتصادية سارية، بتخفيف قيمة الضرائب مثلاً أو تبني وزارة الصحة للأمر باستيراد تلك الأطعمة الهامة للمرأة والطفل برعاية حكومية كاملة..
ليس الأمر صعباًَ إذا سأل كل وزير نفسه عن الكلمة التي سيلقيها أمام الخلائق عارياً يوم القيامة.