mmehlafe@gmail.com
حطت ثورة الشباب في اليمن السعيد رحالها عند نقطة لا يمكن التراجع عنها، وفي نفس الوقت لا يمكن لأحد من المنصفين أن يشكك في اعتباريتها أو في أي من نجاحها، لأنها ثورة هيأها الله بقدر من عنده وخططت لها أيادٍ سرت في ليل المحرومين والمقهورين تلملم شتاتهم، وتوحد جهودهم، وتركز تفكيرهم نحو التغيير المنشود الذي أصبح اليمانيون يتوقون إليه بفارغ الصبر حتى حانت ساعة الصفر التي آذنت ببزوغ فجر مضيء للسير نحو يمن جديد لا مكان فيه للتيه والضياع والتخلف..
ثورة،أجمل ما فيها أنها تطوي صفحة سوداء من تاريخ شعبنا اختزلت صورة أبناءه في الأذهان بأنهم قطيع غير منضبط في دولتهم ودول الجوار لا هم لهم سوى الضياع في دروب التيه حال ينطبق على عامة الشعب وصفوة أبناءه..
أما اليوم واليوم فقط نستطيع القول رافعين الصوت عالياً: لقد ولى زمان اختزال صورة اليمني بذلك الشخص المتخلف الأمي الذي لا يجيد من هذه الدنيا سوى الفوضى والعبث، لقد محت روائع هذه الثورة المباركة أيضاً الصورة الذهنية السلبية التي علقت بالمواطن اليمني بأنه شخص سلبي مستهلك لا أقل ولا أكثر لتجعل منه هذه الثورة رقماً حقيقياً في فنه وإبداعه وانضباطه وتحركه، وهل كانت الثورة إلا قيم ورقي وفن وإبداع ونضال وتضحية، ثورة كانت كلها عزم وإصرار، ألم وأمل، جد وانضباط، تخطيط وإعداد، همة وإرادة..
صور تجلت في أبهى حللها وأنصع صورها من خلال تلك النشاطات والسلوكيات والجوانب الإبداعية التي فجرتها هذه الثورة المظفرة التي ما زلنا نتمنى منها أن تعيد الاعتبارية لبريق الشخصية اليمنية التي عرفت على مدى قرون بجديتها وانضباطها وسمو مكانتها ورفعتها وهل كان صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا يمانيين أو يمانيين الهوى..
واليوم لن نبحث مجدداً عن المسئول عن اختزال صورة اليمني في التفاهات وما انحدر من المستويات المتدنية، لأننا اليوم ننطلق في آفاق رحبة من الاهتمام بعظائم الأمور التي كان يجب أن تسترعي فينا الشعور قبل هذا اليوم..
إننا أمام ثورة أبدع اليمنيون فيها أيما إبداع، وبهروا بها العالم حتى جذبوه من تلابيبه ليعترف بسموها، وجميل إبداعها، ورقي رسالتها، فما كان من هذا العالم إلا أن سطر بكل إعجاب واندهاش إعجابه بها وبمن قاموا بها وسطروا انطلاقتها الرائعة..
إن 11 فبراير تاريخ عريق لصفحة أراد اليمنيون أن يسطروا فيها أجود ما تكتبه الأقلام في الصفحات، لأنه أدرك أن مثل هكذا ثورة لن تواتيها الفرص ما لم يكن التخطيط حاديها وسيد الموقف، فخطط اليمنيون لها بكل عناية وإن كان شرارتها عفوية لم يكن لها قائد لها يقود زمامها، إلا أنها ومنذ أن آذن الله بانطلاق باكورتها، وانقداح شرارتها، وانبلاج فجرها استطاع الثوار أن يمسكوها من زمامها حتى لا تتفلت أو ينفرط عقدها بين المتربصين، فخططوا وبحكمة أداروا، واضعين نصب أعينهم ومقتنعين بأن التخطيط هو ذلك الفعل الثوري والنشاط الذي ينقلك من وضعك الحالي، وأهداف حاضرك إلى ما تطمح بالوصول إليه، وذلك عن طريق تصميم أعمالك، ووضع برامجك، وتطوير الخطوات الفعالة لتحقيقه، وكأني بهذا التخطيط قد حاز من اسمه نصيبًا، فهو بمثابة خطوط ترسمها بفرشاة الرسالة والرؤية، خطوط تصل بين وضعك اليوم، وما ينبغي أن تنجزه من أهداف؛ لكي تحول تلك الرسالة والرؤية إلى واقع من النجاح والتميز، وكان للثورة ما أرادت من النجاح والتميز شاء من شاء وأبى من أبى..
لقد كان حال الثوار مع ثورتهم وقت تخطيطهم لنجاحها هو أن يكونوا أكثر حرصاً من التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل للوطن، مع الاستعداد لهذا المستقبل، فليس المعنى من التخطيط أن ترسم الطريق إلى الهدف فحسب، بل أن تستشرف العقبات والمعوقات، وتسعى في إيجاد الحل الملائم لها مسبقًا، وإلا فإن سراق الثورات متربصون لحصد ثمارها، وجني طيباتها..
لذلك جاء قرار الثورة غير قابل للنقض، بدأ الثوار بتنفيذه خطوة خطوة، فكان العزم والإصرار هو القرار الأول الذي رافقهم في كل محطاتهم المفصلية، عاشوا به الألم والأمل، وبين ثناياها تسلحوا بالجد والانضباط، غير عابئين بما قد يحصل لهم، المهم أنهم أحسنوا التخطيط والإعداد، فساروا نحو أهدافهم بهمة وإرادة لا تعرفان المستحيل، فكانت التضحية والبطولة هما الحاديان لهم في كل تصعيد، أما الكر والفر فكان لا بد منهما لنجاح أي مشروع ثوري، فمن الشجاعة أن تجبن ساعة، فبدونهما قد تنزلق الثورات إلى أطرف نفق مظلم أو إلى سراديب لا تعرف طرقها إلى أين تؤدي، فعاشوا الرخاء والشدة يتقاسمون معانيهما وأجل مضامينهما، فكانوا تارة يعيشون في عنفوان لا نظير له وتارة يعيشون ارتخاء لا يلبث أن يتوثب مرة أخرى نحو الأهداف التي رسمتها الثورة وتكللت بكثير من النجاح الذي يتنفسه اليوم اليمنيون بفضل قرار الثورة.
مروان المخلافي
خواطر من وحي 11 فبراير 1520