ترددت كثيراً في كتابة هذا المقال لا لشيء وإنما لحساسية الموضوع وتشعبه، مما يجعل الموضوع بحاجة لأكثر من مقال.. فالحديث عن استخدام الدين في السياسة موضوع شائك ويحتاج كثير دقة وموضوعية ولأنه كذلك سأحاول أن يكون طرحي في سياقه الموضوعي للبحث عن حلول.. شدني في الآونة الأخيرة ما يعتبره كثير من النُقاد الاستخدام السلبي والسيئ للدين لبلوغ أهداف سياسية، والأمثلة في هذا المجال جد كثيرة ولست بصدد سردها هنا، لكن ما أود أن أشير إليه هو ردود الفعل التي تتبع موقفاً ما قد يتبناها بعض العلماء تجاه قضايا سياسية معينة، كالحديث عن موقف الشرع من الوحدة أو اختيار الحاكم أو ضرورة تحكيم الشرع في مسألة الحوار وغيرها من القضايا، والملاحظ هنا أن ردود الفعل عادة ما تكون قوية من قبل عديد أطراف يمكن تعريفها باختصار أوضعها في قالب واحد هو "الرافض لتوظيف الدين في السياسة" وألتمس العذر لهم كثيراً أو يمكنني أن أدرجه في إطار ممارسة النقد لشيء يرون فيه خطأً، وهذا من حق أي كاتب طالما التزم بقواعد النقد بعيداً عن التجريح والتشويه.
مؤخراً لفت نظري أيضاً دخول هذا التوظيف من قبل الحراك الجنوبي الذي يصرخ قادته منذ وقت مبكر ضد الحديث عن رأي الشرع ممثلاً بالكتاب والسنة في الوحدة والاعتصام ونبذ الفرقة والتشرذم والحفاظ على وحدة الصف، وهناك الكثير ممن يؤيدهم في ذلك رغم اختلافهم معهم في الهدف، على اعتبار أن القضية سياسية بامتياز يجب أن يتم النقاش حولها في هذا القالب السياسي بعيداً عن أي توظيف ديني، وما يرونه دغدغة لمشاعر العامة في إطار القالب الديني، وهو ما أعتبره أيضاً ممارسة لحق التعبير سواء اتفق أو أختلف معه، إلا أني أجده كذلك، بعيداً عن محاكمة الضمائر المستترة.
ما حدث مساء الإثنين في كريتر عدن من اعتداء طال شباب عدن السلميين من قبل متطرفي الحراك الجنوبي دفعني أكثر للكتابة حول هذه القضية، كون ما حدث أمراً جد خطير يدعو الجميع للوقوف عليه والحيلولة بكل وسائل العقل والمنطق دون تكراره، كون الأمر تجاوز المناكفات السياسية ووصل حد استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية.. ولو رجعنا إلى وقت قريب وتتبعنا مسيرة الحراك الجنوبي منذ انطلاقته لوجدنا أن ما حدث من اعتداء على شباب الثورة بعدن من قبل ثلة من متطرفي الحراك دخيل على مسيرة هذا الحراك السياسي السلمي، وإن كانت قد حدثت بعض الأحداث هنا أوهناك في وقت سابق تعد بمثابة تصرفات فردية سرعان ما كانت تقابل باستنكار قادة الحراك أنفسهم.. لذا فما حدث في عدن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، كونه جاء بعد أن جهرت أصوات من داخل الحراك مستخدمة الدين والفتوى لدفع العوام من الشباب إلى استخدام العنف ضد إخوانٍ لهم.
الجمعة الماضية اعتلى الشيخ/ حسين عمر محفوظ "مفتي الحراك" –كما يحب أن يسميه البعض- اعتلى منصة ساحة المعلا ليلقي خطبتي الجمعة، وتضمنت خطبته تحريضاً مباشراً ضد شباب الثورة أو أي طيف سياسي يؤيد الوحدة أو من وصفهم بأبناء "الجمهورية العربية اليمنية" وذهب إلى الدعوة بوجوب التصدي لهم، منطلقاً في ذلك من خلفيته الجهادية والدينية كما يرى..
حين استخدم "بن شعيب" الدين ووظفه لتحقيق هدف سياسي ولو باستخدام العنف، لم أقرأ أو أسمع تلك الأصوات التي لديها حساسية مفرطة من خلط الدين في السياسة، بل إنه حين خرج علماء ما يسمى بـ"الهيئة الشرعية الجنوبية" منذ نحو عام بالدعوة للانفصال باسم الدين، وذهبوا يضحكون على أنفسهم أولاً، في محاولة استخدام نصوص من الكتاب والسنة للقول بأن هناك تأييداً إلهياً وشرعياً في تحقيق الانفصال، لم يقابله أيِ من ردود الفعل التي تظهر دائماً مستنكرة ومنددة بلجوء العلماء أو بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على حزب الإصلاح في توظيف النصوص الشرعية لخدمة قضايا سياسية..
هنا أتساءل: أين تلك الأقلام والأصوات التي ترى ضرورة في فصل الدين عن السياسة؟، لماذا غابت هنا وحضرت هناك؟ أليس هذا التوظيف للدين هو ذات التوظيف الذي يعتبرونه توظيفاً "قذر" كما يقولون حين يتم الحديث عن قول الشرع في الوحدة والاعتصام ونبذ الفرقة؟ لماذا جفت الأقلام وسكتت الحناجر حين استخدم علماء الحراك الدين في الدعوة للانفصال والتأصيل له شرعاً؟ هل بات الحديث اليوم عن الوحدة محرماً والحديث عن الانفصال والتأصيل له شرعاً حلالاً؟.. هذه الأسئلة أضعها بين أيدي أصحاب الرأي والعقل في جميع التكوينات السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية لمناقشتها والرد عليها في الأوساط الاجتماعية، كي يتفادى الجميع مسألة البحث عن فتوى تجيز لطرف ما تصفية خصمه السياسي باسم الدين والسياسة معاً، في حين ظل صوت العقل يتحاشى الجهر بقول الحق..
علينا أن ندرك جميعاً أنه لن ينجو أحد من لهب التحريض على العنف عبر استخدام السياسة أو الدين، إن ظل الجميع يتفرج لاعتداء طرف سياسي معين ضد طرف آخر، فالجميع لن يكتوي فحسب، بل سيحترق وهو ما لا يتمناه جميعنا، لأن وقود هذا التحريض هم جميعاً إخوة أكانوا من الشمال أو الجنوب.
*مرايا
للشيخ عبدالرب السلامي أقول: إذا كنت ترى أن الحديث عن الوحدة لابد أن يكون ذا شقين "سياسي وديني" ويختلف رأيك عنها من المنظور الديني عن منظورك السياسي، فماذا أبقيت لمن تصفهم بالعلمانيين؟ أم أن المسألة هنا حفاظ على موقع على حساب مبادئ، كنت حتى وقت قريب ترى فيها عقيدة؟!.
إبراهيم مجاهد
المسكوت عنه في توظيف الدين للسياسة.. "الوحدة/ الانفصال"!! 2582