ضحايا الضنك لم يكونوا فقط من الأطفال كغالبية حتمية لا يملك الطب أن يمنحهم جرعة العلاج بعد أن حرمهم من قبل جرعة الوقاية في أبسط صورها، لكنه ككارثة ميؤوس منها حصد أيضاً اليافعين من الشباب ممن لم يحصلوا على رعاية أولية كاملة من قبل الأهل وتطورت تلك الحمى أو الكارثة لتحصد أعمار الكبار كما تحصد المواسم كؤوس الذرة عن سوقها.
في قصة أخيرة من قصص الشقاء التي يتجرعها البشر من قليلي الحيلة أو عديمي الوسيلة، كان للضنك زيارة خاطفة إلى بيت من بيوت تعز الجميلة، لكنها لم تكن كأي زيارة لأي مرض عابر، فقد كانت من الخبث أن حملت مريضها معها روحاً وجسداً..
(أشرف) رحمه الله شاب يافع قدم من الهند في زيارة خاطفة لوالدته على أمل أن يعود بعد فترة وجيزة إلى هناك لاستكمال مبتغاه الدراسي ثم يعود بعدها إلى أحضان أمه ووطنه بما يحمل صدره من حب وعلم وتفاؤل وأمل وبما أنه كان وحيد أمه فقد كانت تراه الأم دنياها التي تعيش وحلمها الذي تهوى، لكنه استسلم للقدر حين كبله بقيود المرض ثم كتبه في عداد الموتى وخرجت جنازته إلى العالم الصامت في لحظة ذهول واندهاش وكأن القدر أبى أن يكتب آخر فصول حياته قائماً في محراب الحياة وإنما سطرت الحمى خاتمة الكتاب وهو يرقد مرغماً على فراش الموت في أقسى صور الوداع التي يعيشها البشر مع من رأوا فيهم لون الحياة ومذاق الأمل وطعم الصفاء ونكهة الوجود، لكنها المشيئة حين تقصد درب البشر لتختبر صبرهم وتمتحن إيمانهم وتضعهم في أعتى مساحات الحزن والحيرة والحاجة إلى ظل الصمت الذي يصبح طعاماً وشراباً ودواءً بعد أن يعجز المرء عن وصف طعم الفجيعة فيمن يحب، ولعلي لا أجد ما هو أسوأ من أن يسرق الموت الضنى ويحرم أماً من ابنٍ وحيدٍ لها، غير أنني أؤمن بزوال الحياة بأسرها فكيف بمن فيها ممن نحب أو ما نحب..
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبةُ
فكيف آسى على شيءٍ لها ذهبَ؟!
الموت سنة من سنن الحياة وناموس من نواميس الكون بالرغم من قساوته التي تقسم الظهور وتقتل النفوس لكنه يبقى حقيقة يجب مواجهتها.
قد يكون لإهمال أصحاب القرار يدُ في سقوط هذا الكم من الضحايا صغاراً كانوا أو كباراً، لكننا نؤمن بقدرة الله على العقاب والأخذ، كما نثق بقدرته على جبر الكسر والمن بالصبر على كل من فقد حبيباً أو قريباً أو عزيزاً في حالة عجز عن تقديم العون من أهل الحق والاختصاص والمسؤولية.. وليعلم الجميع أن تقصيرهم في الحفاظ على حياة الناس سيلف حول رقابهم حبل المسائلة الإلهية، فما عساهم قائلون؟!.
ألطاف الأهدل
الضنك تختطف ابناً وحيداً من أحضان أمه 1687