لمن الحصانة؟ ولماذا ومقابل ماذا حصل عليها الرئيس المخلوع ورموزه وأقرباؤه؛ بل وكل القيادات العسكرية والأمنية والحزبية والمدنية النافذة والموالية بقوة لفخامته؟! دعكم من تحصين مبادرة الخليج لكل من عمل تحت إمرة الرئيس صالح طوال 33سنة، فمثل هذه الجملة اعتبرها مجرد تغطية ماكرة وخبيثة لجرائم انتهاكات فظيعة وشنيعة تم اقترافها من مليشيات قبلية وعسكرية وأمنية نعلم جميعاً من آمرها ووراءها؟
نعم؛ فالحصانة في الأساس منحت للرئيس المخلوع ودائرته الضيقة التي لا تتعدى العشرات والجماعات من القيادات العسكرية والأمنية والإدارية والحزبية والقبلية التي بكل تأكيد أراد صالح حمايتها من أية مساءلة أو محاسبة.
ومع يقيني بأن إصرار الرئيس صالح كان مبتغاه وجوهره تجنيب ذاته وأتباعه الموالين المقربين من تبعات الحالات المصرية والتونسية والليبية أكثر من أن يكون حرصاً على سلامة تنظيمه المؤتمر أو حماية لقيادات مثل الارياني وبن دغر والاصبحي وحتى رئيس فرع المؤتمر بالضالع الذي لا ناقة له أو جمل بقانون الحصانة أو الانتهاكات الحاصلة.
وإذا كانت الحصانة قد منحت رغبة أو كرهاً، نظير مغادرة الرجل الأول السلطة والسياسة عامة، فلماذا يحاول عبثاً إفساد وتعطيل عملية الانتقال السياسي القائمة على أنقاض عهده القديم؟، فالنظام الجديد يعد حصيلة مخاض ثوري شعبي أدى في النهاية إلى صيغة توافقية اشترط فيها النظام العائلي القبلي العسكري الحصانة له ولرموزه وأقربائه وأتباعه مقابل اعتزالهم وخروجهم بسلام ودون أن يكون مصيرهم القتل أو السجن أو المساءلة.
لا أعلم كيف لعاقل قبول المسألة وكأنها أمر اعتيادي ومنطقي؟ فلم تخط الناطقة باسم اللجنة الفنية أمل الباشا حين خاطبت أعضاء مجلس الأمن قائلة: " إذا كنا نريد يمناً جديداً ومعافى، فلابد على كل من تلوثت أيديهم بدماء اليمنيين، أن يغادروا المشهد السياسي، فالحصانة الممنوحة في مبادرة الخليج تضع صالح والقيادات العسكرية بين خيارين.
فإما أن يقبلوا بها، وبالتالي يغادروا الحياة السياسية، أو أن يحالوا إلى المحاكم والقضاء الذي سيثبت إدانتهم أو براءتهم،ففي حال ثبتت براءتهم فلهم الحق في ممارسة العمل السياسي، أما أن نمنحهم الحصانة ثم نبقيهم في مناصبهم العسكرية، أو نمنحهم مناصب جديدة ؛ فإن هذا لا يجوز، ويتصادم مع المنطق ".
حقيقة لم أعد احتمل هذا الصلف والفظاظة وقلة الحياء، فهل هنالك ثمة ثورة أو انتفاضة أو حركة أو اتفاق سياسي يمكنه استساغة وقبول هذا العبث الحاصل اليوم في اليمن؟، فالرئيس الذي أطاح به شعبه وبثورة شعبية عارمة وغير مسبوقة في التاريخ السياسي اليمني - قديماً وحديثاً – مازال متشبثاً برئاسة تنظيمه الهُلامي والهش وكأني به غير الرئيس الذي حكم البلاد 33سنة وقبيل مغادرته كرسيه والحياة السياسية عامة مُنح ورموز حكمه الحصانة بناء على طلبه.
حصانة خشية المحاكمة والقصاص، ومن ثم يبقي الحُكم، ويبقي قتلته ولصوصه شركاء في السلطة والحكومة والحوار ؛ بل وفي عملية الانتقال السياسي المعول عليها طي وإزالة كامل الصورة القديمة المختزلة في ذهن المجتمع وفي حياتهم عامة.
كيف ولماذا وأين قدر لكم رؤية مثل هذه الحالة العجيبة الغريبة ؟ الإغريق القدماء بفلاسفتهم العظام الذين لم تفتهم مسألة سياسية أو فلسفية إلا وأفتوا بها، أعجز من أن يفهموا ما يجري في هذا البلد المنسي، ثورات روسيا وفرنسا وأمريكا وربما – أيضاً – ثورات الأشقاء في مصر وتونس وليبيا وسوريا والبحرين وغيرها من الأمصار ؛ فما من ثورة تشبه ثورتنا ! وما من رئيس يشبه رئيسنا المخلوع ! وما من حصانة تُمنح لحاكم تماثل حصانتنا !.
ختاماً؛ إذا كان رئيس لجنة الحوار قد غادر صنعاء حنقاً وضيقاً مكمنه إلحاح أحزاب المشترك على رحيل صالح من البلاد وتسنم الرئيس عبدربه مقاليد المؤتمر ؛ فاعتقد أنه ومن حيث لا يدري قد وضع الحوار الوطني برمته على عتبة الهاوية، فهل تتوقعون بعيد ما حدث ؛ من دعاة فك الارتباط أو غيرهم من القوى الجنوبية المشاركة في الحوار؟.
أليس الأجدى للجنة الحوار ولرئيسها بدرجة أساسية محاورة من خلعتهم الثورة، ومن منحتهم المبادرة حصانة، ومن كانوا سببا مباشراً في مأساة الجنوب، والمؤتمر، والثورة، والجيش، والوطن عموماً؟.. شخصياً أظن أن محاورة رئيس المؤتمر وإقناعه بأنه لم تخرجه الثورة من بوابة المبادرة ؛ كي يعود للحكم من نافذة الحصانة، فبقاء صالح ورموزه بات أمراً مقوضاً ومعرقلاً ليس للحوار أو هيكلة القوة فحسب ؛ وإنما لعملية التسوية وللعهد الجديد وللوحدة الوطنية وللدولة اليمنية الاتحادية الديمقراطية المنشودة.
محمد علي محسن
حصانة وما أدراك ما الحصانة؟! 1955