نعيش الذكرى الثانية للثورة الشبابية الشعبية السلمية التي خرجت لتؤكد للنظام السابق أن التغيير قد حان أوانه وأن قلع العداد يعني موت كرامة شعب بأكمله ومصادرة كامل الحقوق والحريات, لذلك كان على الشعب اليمني أن يدافع عن مستقبل أبنائه, وأن يستحضر موروث ثلاث وثلاثين عاماً من ابتزاز مقدراته وثرواته وامتهان كرامته.. ورغم رحيل النظام وخروجه عملياً من الحياة السياسية, إلا أن هناك نتوءات لازالت تقلق السكينة العامة, وتستهدف روافد التنمية, بل واستباحت الكوادر العسكرية والمدنية بوسائل مختلفة, ليستمر الجرح ينزف وتظل النفوس قلقة تتوجس خيفة من المستقبل, فهي ثورة مضادة تلازم الثورة الحقيقية كما يلازم الظل صاحبه, إلا أنه كما يتلاشى الظل فيمحوه نور الشمس كذلك تفعل الثورة الحقيقية .
ظل النظام السابق يحرص على حشد الولاءات حوله مقابل المكرمات والعطايا والهبات وظنت أنها في مأمن من نوائب الدهر, وأدرك النظام كنه قوته فاتجه إلى احتكار الوظيفة العامة والثروة والنفوذ والسلطة ليبني مشروع العائلة, وترك هامشاً ملوثاً تتصارع عليه مكونات المجتمع سواء كانوا أفراداً أو جماعات.. لم يدرك النظام أنه مع اشتداد عتمة الظلم واتساع دائرته فإن عجلة التغيير تحركت, وحرص على تفشي ثقافة المجاملات والمحسوبية والنفاق في المجتمع, ليتراجع روح التحدي والإبداع والتميز وهجرة الكفاءات إلى دول الجوار بحثاً عن لقمة العيش, وأصبح التفوق عبثاً, والطيبة هبالة, ومساعدة المحتاجين هدراً للوقت, والولاء للوطن ترفاً لا طائل من ورائه, والتمسك بحزب معارض غباء سياسيتً وهكذا... .
اليوم كلنا نتطلع للمستقبل لتأسيس ولو لبنة واحدة في طريق الدولة المدنية, رغم تقديرنا العميق لحكومة الوفاق وما تقوم به متجاوزة دورها في إدارة الأعمال إلى معالجة بعض الاختلالات, إلا أننا نعول عليها في حدود ما هو متاح, أن تقدر الكفاءات وتعلي من مبدأ التنافسية.. اليوم نحن أمام نقطة فارقة في تاريخ اليمن بعد أن جمدت معايير انتقاء الكفاءات في مؤسسات الدولة, وحل محلها الولاء السياسي والمحسوبية والقرابة والرشوة لاختيار طالبي الوظيفة العامة سواء كانت مدنية أو عسكرية, وأصبحت الدولة بلا هوية مؤسسية, وغلب عليها المزاج الشخصي والهوية العائلية, وصودرت حقوق المواطنة المتساوية واحتكر صاحب الفخامة الدولة والثروة والسلطة والنفوذ, وغادر المبدعون والكفاءات والمتميزون معترك الحياة وكاد الميدان يخلو لصاحب الفخامة وحاشيته من حمران العيون, والنتيجة التي طالت الإبداع والتميز الإعفاء المبكر من الخدمة, أو تجريد الصلاحيات, أو مغادرة الحياة شهيداً في انقلاب مروري مروع, أو طلق ناري من نيران صديقة, أو ضربة قاتلة من مختل مصاب بوعكة نفسية مرفق بتقرير معد سلفاً وهكذا.....
اليوم ندعو حكومة الوفاق إلى إعادة الاعتبار لذوي القدرة والمتخصصين والمبدعين حتى يستقر بهم الحال في وطنهم, وتهيئة البيئة لتتسع للكل وتعيد الأمل بالقدرة على جذب كل الكفاءات.. نداء كله تفاؤل بقدرة حكومة الوفاق على منح العلم والتميز فرصة أخيرة حتى نستعيد الثقة بوطن يتسع للجميع .
د/عبدالحكيم مكارم
كفاءات.. لا دولة ولاءات 1549