حين يدركنا الصباح نبدأ بالكلام المباح، بعد ألف حكاية وحكاية تأتي على ألسن المخزنين في جلسة أُنس قاتلة للهمة وخانقة للعمل وقاهرة للإبداع، كلها تصبح هباءً منثوراً بعد أول شعاعٍ يسطع على نوافذنا كل صباح ومن المؤسف أن يصبح القات ثقافة مجتمع وأسلوب حياة وآلية نافذة للتفاعل المجتمعي في معارك الكر والفر التي تميز هذا المجتمع عن غيره، لأنه مجتمع طوارئ بامتياز.
تناول القات منذ الصباح الباكر من أكثر ما يثير الاشمئزاز في النفس، خاصة مع أولئك الذين يتناولونه بشراهة كما تتناول الخراف أعلافها بعد ليلة سُبات باردة، ولأنه أصبح أداة ووسيلة وهدفاً ومبتغى وأسلوباً، أصبح شراً لابد منه، بل هو الشر الذي يقبل عليه الخاصة والعامة، الصغير والكبير، الغني والفقير، إذ يتساوى الناس في نظرتهم له وتعاطيهم معه كما تتساوى صفوف المصلين في المساجد وكما تتساوى أسنان المشط على رؤوس من أكرمهم الله بشيء من الشعر..
للقات على هذا الشعب سلطة قد تعلو على سلطة القانون ، ومكانة قد ترقى على مكانة الوالدين، وحب متبادل قد يزيد عن الحب بين الزوجين، فالشعوب في جميع أنحاء العالم تبحث عن العلم من المهد إلى اللحد ونحن نبحث عن القات من السبت وحتى الجمعة، فكم هي ساعات الإنجاز اليومية في حياة هؤلاء؟ وما هي الأيام التي تخلو من جلسات القات المشحونة بالغيبة والنميمة والقدح في أعراض الناس؟.. لعلنا لا نجد مجالاً للغرابة من تأخر إصدار قوانين وأنظمة ولوائح تنظم حياة الناس وتضمن حقوقهم، لأن السبب في ذلك هي مجالس القات الخاصة بعلية القوم، ممن يختلف قاتهم وقوتهم وتغلب عليهم شقوتهم عن سائر العموم من أبناء الشعب.
فإذا كان الشعب "يخزن" لينسى همومه، فالدولة "تخزن" لأن تحت يدها حكومة.. وما يتحدث عنه أصحاب القرار في مجالس القات خاصتهم يمكن أن يتوقف عليه مصير الشعب، بينما يبقى الشعب متكئاً ومستلقياً ودائباً في البحث عن وطن آخر يشعر على أرضه بقيمة الإنسانية وبأن من حقه أن يجد حكومة ترعاه وتؤدي دورها الخدمي نحوه دون تفرقة بين ابن الوزير وابن الغفير، بين من يدعي الفقر ومن هو بالفطرة فقير، بين ابن البواب وابن سعادة السفير... لكن يبدو أن ما نراه نحن معشر الكتاب من زوايانا المختلفة لا يراه الناس، وما نشعر به من أسى لا يشعر به آخرون وما نحسبه ضرورياً وواجب النفاذ لا يجد قبولاً لدى من يعيش فقط لأجل أن يعيش، فما ذنبنا إن كنا نعيش لأجل أن نحيا؟ وما ذنبنا إن كان اليمن هو وطننا؟ وما ذنبنا إن كانت بيوتنا مقابر لأهلنا؟..
على أي طريق وفي كل حال يبقى أملنا قائماً بالله ثم بتلك البراعم النامية على أغصان التغيير الذين يمكن أن يقدموا شيئاً جديداً للوطن، وطن بلا قات، وطن يتحدث بكل اللغات، وطن لا يفرق بين الأولاد والبنات، وطن لا يعيش كل فصول السنة في سُبات.
ألطاف الأهدل
هل تحلمون مثلي بوطن بلا قات؟ 1799