ما أكثر ما أبدع الإنسان في خلق فرص الإثم والرذيلة منذ أن سمح قابيل لنفسه أن تدفعه لقتل أخيه ومنذ أن باع أوائل القوم أترابهم واشتروا أعدائهم ومنذ أن أكلت النساء بأثدائهن وأطعم الرجال أفواههم من تحت أقدامهم!.
أبدع الإنسان في دراسة الواقع واحتياجاته الملحة واستخدام كل الأدوات الممكنة وغير الممكنة في تقسيم دوائره الاعتبارية والقياسية, فأكثر من المخارج والقنوات, ووسع من مساحة التخصص في كل المجالات, وحتى أصبحت الحياة أضيق والوصول إلى غايات الناس أشق, تنتشر المحاكم في جميع أنحاء المعمورة على اختلاف الغايات من وجودها ويتفاقم حجم الظلم حتى يصبح مثل وباءٍ قاتل لا تؤمن بعده الحياة لأي كائن حي, ظلم يسامق النجوم ويمشي بأطراف أصابعه على قمم الجبال, ينام على السحاب موصداً أبواب الارتواء إلى العدل وكأن الحياة لم تعد إلا ذلك الهاجس الذي يعيشه المرضى بعد مرحلة عناء طويل مع الألم..
محاكم بالجملة والعدل معدوم! والأمر أشبه بذلك الميت عطشاً على شاطئ البحر, ولكم هو مخز أن نبحث عن العدل في أوطان العدل, أوطان التشريع الإسلامي والدين القيم, دين الأخلاق السامية والمثل العالية, دين التواضع والتسامح والسلام, دين الإنسانية الشفافة التي لا تسكر عقليتها خمرة الحداثة المتأرجحة بين حبلي السياسة والتوصيف السياسي.
ما أسوأ أن نبحث عن العدل وبين أيدينا كتاب الله, ما أبشع أن نظلم ولدينا سنة المصطفى قولاً وفعلاً, حساً ومعنى, ومما أضعف إيماننا برسالتنا حين نسافر خارج حدودنا الجغرافية والدينية والأخلاقية لتوكيل من لا صلة لهم بنا للدفاع عنا..
أي محكمة عدلٍ تلك التي ترى ما ترى وتسمع ما تسمع من أمر المسلمين وغير المسلمين فتتغاضى عن الظلم وتضع تحت مجهر الشبهات مظلوماً ما كان له في العير ولا في النفير! ولو أن في تلك المحكمة عدلاً ما وجد الناس في غزة وسوريا وسواها من بلاد المسلمين وغير المسلمين شيئاً من هذا الاستبداد والتطهير العرقي في مسلسل طويل لا نعلم له نهاية..
أمام أي محكمة عدل دولية نقف ولكل من فيها يد مخضبة بالدماء والتآمر وإيذاء المسلمين؟! هل وصل إفلاسنا الديني والعقائدي لهذه الدرجة الرخيصة والعابثة فنترك الأصل ونغلو في التأصيل, نبحث عن السؤال ولدينا كتاب الأجوبة الشافية, نحاول الحصول على البيان ولدينا قاعدة الاستبيان.. أي قوم نحن؟! إن المرء لتطاله الدهشة وتقوض عزائمه الغرابة حين يشعر أن فرداً في جماعة ليس لها اجتماع أو ولاء أو طاعة لكتابٍ أو عقيدة أو أمير أو مشورة, بل إن المرء لتصيبه حيرة بين تفريطٍ أو إمساكٍ بين هذا وذاك, بعد أن أصبح للظلم أسياد وأعيان ومنابر وخطب وأمجاد, وبعد أن أصبح للمظالم رؤى وتصورات ونداءات وتوجهات وتوصيات.. وصولاً إلى إقرارات ببقاء الحال على ما هو عليه إلى حين استيفاء الأدلة.
ألطاف الأهدل
محكمة العدل الدموية 1794