غضب الزوجة وتركها لمنزل الزوجية أو الـ "الحنق" في لغتنا العامية، هو نتاج تراكم كبير لسلوكيات سلبية يرتكبها الزوج تجاه الزوجة سواءً كان يقصد ذلك أو لا يقصده وهو نتاج أيضاً لسوء استقبال تلك السلوكيات من قبل الزوجة إما لقلة الخبرة أو لعدم توافق طباعها مع طباع الزوج, وهو سلوك اجتماعي خاطئ توارثته النساء بشكل مكتسب ظناً منهن أنه الطريقة الوحيدة لتأديب الرجل المخطئ في حق إحداهن.
ولأن المرأة الـ "حانق" تستعين تطبيق شروطها على والدها أو إخوتها، واضعة الزوج في صورة التلميذ المؤنب، تحدث في نفس الرجل ردة فعل عكسية تجاه هذا الموقف من الزوجة، فيظمر لها الحقد دون تغيير نظرته لها مدى الحياة، حتى وإن بدا عادياً في تعامله معها.
الحنق يوسع دائرة الخلاف بين الزوجين ويضيق مساحة الحوار ويبقي العلاقة الزوجية على مرأى ومسمع الآخرين ويجعلها مهتزة في نظر الأطفال تحديداً، لأنهم الطرف الأكثر تأثراً جراء هذا السلوك، حيث يبقيهم في حالة خوف وقلق من تكراره وما يترتب عليه من حرمانهم من والدتهم. بل إن دراسات اجتماعية أكدت أن الأطفال الذين يتم التحرش بهم هم أولئك الأطفال الذين أفرزتهم علاقة فاشلة بين زوجين لا يشعران بالمسؤولية وركزت الأبحاث على أن طلاق الأم أو حنقها يدخل الأطفال في دوامة نفسية سيئة، بعكس غياب الرجل الذي لا يتسبب في مثل هذا الخلل النفسي للطفل.
تصبح الأم قدوة سيئة لبناتها داخل المحيط الأسري، فلا تجد الفتاة من يعلمها أسس الحياة الزوجية وكيفية التعامل مع الرجل والقدرة على امتصاص الشحنات السالبة داخل الأسرة, كما تتغير نظرة الأبناء للأب الذي تنكسر شخصيته أمام الأبناء حين يفرض عليه أهل الزوجة احترامها بالقوة, وحين يتعلم الأبناء أن الاحترام داخل الأسرة يحتاج لقوة تنشئ لديهم قناعة بأن الحوار ليس هو الأسلوب الحضاري الأمثل للحصول على الاستقرار داخل الأسرة وهنا تبدأ القناعات المتراكمة التي ينشأ على أساسها الحكم المسبق بفشل الشريك.. ولهذا فأنا لست مع تلك المرأة التي تترك للآخرين من حولها فرصة إدارة حياتها، بينما تبقى في زاوية الغضب والحمق متفرجة ترى بعينها انهيار بيتها وتبقى صامتة.. لا.. لا.. ليست هذه هي المرأة التي نريدها أن تبني المجتمع وترعاه وتطوره, نحن بحاجة إلى امرأة حديدية فكرياً, أسفنجية نفسياً, امرأة تستطيع إدارة أزماتها الزوجية بذكاء واقتدار وتحتفل بقدرتها على ذلك كل يوم عبر ابتسامة ما ترة تفتعلها أمام الشريك افتعالاً حتى وأحشاؤها تكاد تميز من الغيظ.
الحنق مصلح قديم لم يعد يتماشى مع قدرات وإمكانات المرأة الحديثة التي تتطلب منها طبيعة الحياة من حولها نسبة عالية من الإرادة ونسبة أعلى من الثقة بالنفس وهذا لن يتأتى في ظل عاصفة زوجية تكاد تقتلع جذور العلاقة العاطفية من جذورها بسبب وجود الدخلاء الذين يمنحهم كلا الزوجين دفة القيادة حتى وإن كانا على ثقة أن تلك السفينة غارقة لا محالة.