إعادة بناء النسيج الاجتماعي اليمني من أهم وأصعب التحديات التي تواجهنا خلال المرحلة القادمة , إضافة إلى إعادة السكينة العامة والتغلب على حالة الانفلات الأمني التي تشهدها العديد من المناطق في بلادنا.
هذه المهمة الشاقة والمعقدة لا تقع على عاتق شخص دون آخر , أو جماعة أو طرف أو حزب دون آخر , بل هي مسؤولية جماعية مشتركة, تتطلب من الجميع أفراداً وجماعات مضاعفة الجهود المبذولة في سبيل ذلك , وتقديم التنازلات فيما بيننا وتغليب المصلحة الوطنية العامة على حساب المصالح الشخصية الضيقة .
لقد أسهم تراجع المشروع الوطني الكبير, وغياب الهوية الوطنية , وتعدد الولاءات والانتماءات , ليس فقط في إضعاف النسيج الاجتماعي , بل في تمزيقه وتفككه , وتدمير كافة القيم والأخلاقيات التي كانت تنظم العلاقات الاجتماعية وتحافظ على متانة وقوة النسيج الاجتماعي في بلدنا.
فيما تركت المرحلة السابقة إرثاً كبيراً , وكماً هائلاً من التناقضات والتباينات والاختلافات والانقسامات , وكان ذلك على حساب تركيبة النسيج الاجتماعي اليمني الذي شهد أسوأ حالات التمزق والتفكك والانقسام خلال العشر السنوات الماضية , بعد أن تجاهل النظام السابق كل الدعوات والمطالبات من قبل بعض القوى السياسية بإزالة آثار حرب صيف 94م وإصلاح مسار الوحدة التي تم الانحراف عن مسارها الصحيح عقب تلك الحرب .
ومع اندلاع شرارة ثورة الربيع العربي ووصولها إلى اليمن , نستطيع القول أننا تمكنا من وضع حد للاستمرار في حالة التمزق والتفكك فيما تبقى من البنية الأساسية لنسيجنا الاجتماعي المتهالك.. هذا من ناحية ,ومن ناحية أخرى استطاعت الساحات الثورية أن تجسد أسساً ومعايير جديدة, ربما أنها قد تمكننا وتساعدنا في إعادة بناء العلاقات الاجتماعية بين مختلف المكونات والطبقات والشرائح المجتمعية بالشكل الصحيح والسليم والذي يضمن نسيجاً اجتماعياً قوياً ومتيناً غير قابلاً للانقسام والتمزق , ولا يتأثر بالصراعات السياسية أو العسكرية أو الطائفية أو الحزبية القبلية أو المناطقية , ولا يخضع لسيطرة أي قوة متنفذة .
لكن كيف يتحقق ذلك ؟ وعلى من تقع المسؤولية؟.. بالطبع أنا لست هنا قادراً على تحديد الأمر والإجابة على هذين السؤالين بالقدر الكافي , إلا أنني أرى أن المسؤولية مشتركة بين مختلف المكونات والأطراف اليمنية وبنسب متفاوتة , على أن تتوفر بوادر حسن النوايا , والقدر الكافي من الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع , وتكون القوى المدنية الحديثة ذات التوجه الديمقراطي المعبرة عن المشروع الوطني القائم على أساس الهوية الوطنية الواحدة هي أدواتنا المستخدمة في تحقيق ذلك الأمل المنشود والمتمثل في إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي ينسجم مع حجم التحول السياسي الذي شهدته اليمن بفعل ثورة التغيير الشبابية , ويساعد في خلق وعي مجتمعي حقيقي يلبي حاجاتنا في مواكبة العصر بمتغيراته وتحولاته وتطوراته وتطلعاته .
ويبقى علينا جميعاً أن ندرك حقيقة أن ما قد نخسره في حال تقاعسنا عن القيام بهذا الأمر قد يكون أضعاف أضعاف ما خسرناه خلال المرحلة السابقة , وأنه لا يمكن مطلقاً بناء دولة مدنية قوية في ظل انهيار العلاقات الاجتماعية والاستمرار في حالة الانقسام بين أبناء المجتمع الواحد .
علينا أن نكون مجتمعاً قوياً بين مجتمعات متعددة , تتعدد فيها الآراء والمواقف وتتوحد فيها الصفوف والجهود والفرص والحقوق والواجبات .
أ. محمد شمسان
النسيج الاجتماعي اليمني والهوية الوطنية 2055