السؤال المهم هو أين موضع الرئيس عبد ربه من المؤتمر؟ وأين المؤتمر من الرئاسة والحكومة؟؛ بل ومن العملية السياسية القائمة على أساس توافقي شراكي بين القوى المختلفة المعنية بمهمة الانتقال السياسي وفقاً ومبادرة الخليج واليتها المزمنة؟!
الواقع أن المتابع للحالة اليمنية ستأخذه الدهشة والحيرة مما يشاهده من فوضى عجيبة جراء إصرار الرئيس السابق على مزاولة نشاطه السياسي كرئيس للمؤتمر وكقائد معارض جل همه إفشال الرئاسة والحكومة ودونما أية اعتبار لشراكة المؤتمر ذاته في السلطة الانتقالية.
هذا الإصرار العجيب، وهذه الصلف والرفض الممارس ممن يفترض أنه بات في ذمة التاريخ ومؤرخيه؛ بقدر ما جنب المؤتمر الشعبي العام مسألة سقوطه أسوة بالحزب الوطني المصري والتجمع الدستوري التونسي؛ بذات القدر كان سبباً في إصابة المؤتمر وشراكته في إدارة الدولة الانتقالية بحالة انفصام ، جعلت التنظيم وشراكته أسيراً لهذه التبعية المزدوجة لرئيسين ونظامين وعهدين.. هذا الولاء المزدوج كان من تجلياته هذا الانقسام الحاد، وهذا الاستقطاب، وهذه الثنائية العجيبة في التعامل مع المرحلة الراهنة واستحقاقاتها السياسية والانتقالية والوطنية، فلأول مرة نجد أنفسنا أمام حالة نادرة الحدوث إن لم نقل غير مسبوقة في التاريخ السياسي.
إننا إزاء رئيس سابق تم إجباره شعبياً وأخلاقياً ووطنياً على مغادرة سلطانه، وبعيد ثلث قرن ويزيد؛ ومن ثم يعود لنا من نافذة تنظيمه الهلامي - الذي رأسه ثلاثة عقود - كي يكون رئيساً على رئيس الدولة الخلف، وكي يسقط حكومة نصفها وزراء من تنظيمه المؤتمر الشعبي العام..
حقيقة لا أعلم كيف لرئيس أقسر شعبياً وأخلاقياً وأدبياً على تسليم رئاسة الدولة لنائبه ورئاسة الحكومة للمعارضة ومن ثم يظل متشبثا برئاسة تنظيمه؟..
شخصياً لا أحمل أية ضغينة أو ثأر مع المؤتمر الشعبي؛ بل وعلى العكس أود رؤيته وقد تعافى من سقمه البنيوي والمنهجي والبيروقراطي والاستحواذي، وقبل هذه جميعاً، يبرأ من علته المزمنة المتمثلة بولاء مطلق لشخص الرئيس صالح، فما من ولاء أفضل وأنجع من الولاء للتنظيم وبرنامجه ونظامه وميثاقه!.
حين أقول مثل هذا الكلام؛ فلأنني أدرك مقدار المحنة التي يمر بها المؤتمر، خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية التي يجد ذاته منقسماً، ما بين ولائه للرئيس صالح؛ كنوع من التظاهر بالإخلاص والوفاء، وأيضاً - كضرورة تحتمها حاجة التنظيم للمال والنفوذ والقوة والسلطة..
وبين الولاء للرئيس هادي، فبرغم كونه ضرورة قصوى للمؤتمر وكيانه المترهل والشائخ؛ إلا ان هناك من يتعامل مع الرئيس الجديد والطارئ بنوع من الحذر والريبة، وخاصة رموز العهد السالف الذين مازال ولاؤهم مطلقاً للرئيس صالح، ومن السابق لأوانه القول بثمة تبدل أو تحول حقيقي وجوهري في مواقف وولاء الرعيل الأول.
ففي كل الأحوال صالح وأعوانه ورموز حكمه لديهم مخاوفهم وهواجسهم، وقبل هذه الأشياء بالطبع مصالحهم الشخصية، إن لم نقل مصيرهم الواحد والمشترك، وهذه المنفعة والمصير الواحد أظنهما سبباً رئيساً ومباشراً في ولادة هذا الهجين المشوه المتخلق برأسين لكيان غريب يتحدر من سلالات عدة منها كائنات انقرض وجودها ومنها ما هو نادر ومتوحش ومنها – أيضاً – كائنات متكيفة ومتأقلمة مع كل المناخات والتحولات.
على هذا الأساس يمكن تفسير هذه الثنائية القائمة على النحو التالي : كائنات شديدة الولع والصلة بحقبة الرئيس صالح، لذا هي مستميتة الآن كي تبقي وجودها ومكاسبها بمنأى عن السقوط والخسران.. يقابل هذه الجماعات المستترة بولائها المخلص للعهد البائد؛ هناك كائنات أخرى تلتمس طريقاً ما يصلها بعهد الرئيس هادي - ولو على استحياء وتوجس - وذلك كيما تحفظ صيرورتها أو تحقق مرتجاها..
وبين الاثنين صالح وهادي وطن يمزقه العبث والقتل والجزع، بين مؤتمر الحرس القديم الذي لم ولن يفرط بالزعيم، وبين مؤتمر الحرس العهد الجديد الذي لا يبدو أنه قد حسم أمره؛ هنالك يوجد شعب، وسلطة، وقوة، ووحدة، وتنمية، وحوار، وهيكلة، وووووالخ.
فهذه القضايا جميعها عالقة وواقفة في انتظار أن يحسم الرئيس عبد ربه أمره؛ فيتولى رئاسة المؤتمر، وإما أن يستقيل من المؤتمر ورئاسته، تاركاً إياه للرئيس صالح ورموزه – وأيضاً – لمصيره المحتوم!.. أقول ذلك رغم يقيني التام بأن الكائنات الميتة الفاسدة تبقى كائنات ميتة فاسدة لا خير فيها أو روح أو مقاومة.
محمد علي محسن
ثنائية المؤتمر الحاكم والمعارض !! 1869