لم يسبق أن كان لأحدٍ ما – أي أحد – تلك الجرأة الشديدة في السطو على أملاك الدولة كتلك التي رأيناها مؤخراً من متنفذ حكومي يبسط سيطرته على أراضٍ خاصة بالبريد في محافظتنا الثقافية, المدنية, المسالمة, الحالمة, الباسمة تعز.. حتى يخال للمرء أنه قد يستيقظ يوماً من نومه وإذا بكل مكاتب الدولة ودوائرها الرسمية شققاً مفروشة للمتنفذين والخارجين عن جادة الصواب والمنحرفين عن طريق العقل والرافضين لمنطق العدالة والمساواة ومن تسمح لهم أنفسهم بإراقة الدم الحرام دون وجه حق ومقابل دراهم معدودات لن يحمل منها مثقال ذرة إذا أقبل عليه الموت وأدبرت عنه أسباب الحياة.. كأني به يقلب عينيه يمنة ويسرة وروحه تغادر جسده مرغمة صاغرة حين لم يرع حق المسلمين الأبرياء في الكفاية من شره والخلاص من بطشه.. فلا سامح الله من كان سبباً في إغراق هذا الوطن بالفوضى وإقحام هذا الشعب في فتنة ليس لها آخر.. أتساءل ما الذي يريده هؤلاء بعد أن أصبحت شوارعنا تشكو إلى الله وقع الفقراء والمجانين ومن لايجدون في أنفسهم حرجاً مما أوتوا وهي تمتد دون أقدامهم عاجزة عن الكلام وعن الصمت وكأن لها روحاً مغلولة تتوق إلى الحياة وما لها إلى الحياة سبيل.
من غير الطبيعي في تعز الحب والسلام أن نرى ما نراه اليوم وقد أقسمنا جميعاً قسم الولاء للوطن في ميثاق شرف وطني وأعتقد أن من حقنا المطالبة بمعاقبة من يعبث بأمن واستقرار الوطن كما ينص على ذلك ميثاق الشرف الوطني الذي اعتبرناه مفتاحاً لباب التحضر والرقي والمسؤولية الجماعية الناهضة بحق الفرد وحقه في الحياة الآمنة والكريمة.
ولقد كان غريباً على ما اعتدنا عليه في تعز أن يتم التوجيه من قبل الأخ المحافظ والأخ مدير أمن تعز والأخ وكيل نيابة الأموال العامة الابتدائية ومدير مديرية أمن القاهرة ورئيس قسم شرطة مستشفى الجمهورية والأخ وزير الاتصالات وتقنية المعلومات.. وكما رأينا كانت كل التوجيهات واضحة ومتسلسلة إداريا,ً لكنها من وجهة نظري لم تكن صارمة ومنصفة إنسانياً, حيث كان يجب حشد قوة تنفيذية وتحريكها مباشرةً إلى الموقع موضوع النزاع وإغلاق هذه القضية عملياً وفق آلية تنفيذية فريدة حتى لا نتفاجأ غداً أو بعد غد بمتنفذ سخي يلتهم ممتلكات الدولة كما يلتهم الجياع الثريد!.
لا نريد أن يخالجنا شعور بأن في الأمر حبكة سياسية لا يعلمها إلا الله, ولا نريد أن نشكك في نزاهة ولاة الأمر في المحافظة وهم قراء جيدون لكتاب التاريخ القريب الذي عزل فيه القدر من عزل ونحّى من نحَّى "بتشديد الحاء" وحاكم من حاكم وخلع من خلع ولازال العرض مستمراً حتى نفاد الكمية!!.
ليتذكر كل من تقوده نفسه للعبث بمصالح الناس أن لمالك الملك عيناً لاتنام وأن الكثير الوفير الذي تطلبه أنفسهم وليس بملك لهم سيزول كما زال مال قارون وآخرين غير قارون, فلم نجمع ما ليس لنا بحق وبخس كل مستحق؟! وكيف يمكن في ظل وجود هذا الحشد من صناع القرار الذين أجمعوا على رأي واحد أن توضع القرارات موضوع سخرية وتهكم؟!.
نحن نضع القضية بملابساتها بين يدي الأخ/ المحافظ ونثق تماماً بقدرته على احتوائها وإنزالها منزل الجدية وهو الرجل غير المتخاذل عن مصلحة محافظته الباسمة, خاصة وأن الأمر قد وصل حد التهديد بتصفيات جسدية لقامات وطنية تحاول تأدية واجبها كما ينبغي.. ولكن يبدو أننا لانزال نعيش في حلقة مفرغة من المهام السياسية المزدوجة التي تستخدم البشر كأدوات طبيعية متحركة وفق رؤى عنصرية فاسدة وأهداف خارجة عن شرعية التخطيط والوصول, ففي أي زمن نحن وفي ظل أي حكومة؟! وأين هي هيبة الدولة المفقودة في هذا وذاك؟!.
ألطاف الأهدل
حتى المال العام أضحى غنيمة!! 1955