يستمر مسلسل الاغتيالات في بلد الإيمان والحكمة ليحصد المزيد من الأرواح، فيما نجهل ما ينتظرنا من البؤس والشقاء والموت الذي يترقبنا و يتربص بنا دون كلل أو ملل.
يا لله ما أقسى أن تعيش لتنتظر دورك في الحصول على سلعة الموت المجاني أو في أن يزُف إليك خبر اغتيال أو قتل صديق أو قريب بطريقة أو بأخرى , وهذا حالنا نحن اليمنيين منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود.
توقفت الآلات والمعدات العسكرية عن إصدار أصواتها المخيفة , لكن لم تتوقف الأحقاد والكراهية من تشغيل عقول الإخوة المتخاصمين والأعداء في التفكير بكيفية أن ينال كل من الآخر , لذا لم يتوقف الموت ولم تتوقف وسائله وأدواته المختلفة في بلد هو أحوج ما يكون إلى الأمن والاستقرار.
جلس الطرفان على طاولة واحدة ليتقاسموا حصصهم من القتلى والشهداء القادمين دون أن تغلق ملفات الماضي ودون أن تضمد جراحات وأوجاع الماضي ليكون القادم هو الأسوأ بجراحه وأوجاعه.
والسؤال هو إلى متى سنظل نحن اليمنيون نخطط لمستقبلنا ونصنع حاضرنا بموروث الماضي ؟
الدماء التي تسال في مختلف المناطق اليمنية هي دماؤنا والأرواح التي تزهق هي أرواحنا والمزيد من ذلك لا يؤسس إلى بناء مجتمع حضاري متقدم ولا يقود إلى نهضة ترتقي ببلدنا إلى ما نصبوا إليه بين البلدان والأمم , وإنما يزيد من أحقادنا على بعضنا البعض ويجعلنا في سياق خارج الزمن، بعيداً عن المهام الأساسية التي هي مناطة بنا والتي يجب علينا القيام بها كخلفاء لله في الأرض.
في الوقت الذي ينتظرنا الكثير مما علينا انجازه لنتمكن من السير إلى الأمام وتجاوز كافة الصعوبات والمعوقات التي تعترضنا , وليتمكن العالم من مساعدتنا ودعمنا , وفي الوقت الذي تنتظرنا المزيد من الآمال والطموحات في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تصون حقوقنا وحقوق أبنائنا وأجيالنا القادمة , نصر نحن اليمنيون على العودة إلى الماضي والاحتكام للماضي وهذه هي مصيبتنا.
نتغافل الماضي دون أن ندرك أن ذلك يحجب عنا التعامل مع الحاضر أو المستقبل بالشكل والأسلوب السليمين والصحيحين, في حين أن معالجة الماضي بجميع جراحاته وآلامه وأوجاعه صراعاته وإنهاء كافة الأسباب والدوافع التي تسببت في حدوثها , هي الطريق الأمثل و الأنجح في صناعة الحاضر والتخطيط للمستقبل.
حوادث الاغتيالات والانفجاريات والقتل التي نصاب بها كل يوم هي محصلة طبيعية لتراكمات الماضي الذي يحكمنا ويحدد مسارنا ولكي تتوقف هذا الأعمال الإجرامية علينا إغلاق ومغادرة الماضي ,علينا النظر إلى الأمام والتفكير بمستقبل أبنائنا والأجيال القادمة التي لا شك أنها ستضع تجاربنا وأعمالنا وأفعالنا محل التقييم والتدقيق ومن خلال ذلك ستحاكمنا و تكتب تأريخنا.
ستكون هذا المرحلة التاريخية من حيتنا نحن اليمنيين من أهم المراحل لأسباب عدة؛ أهمها توفر فرصة الحوار بين مختلف شرائح المجتمع اليمني وهو الحوار الذي سيمكننا من صياغة عقد اجتماعي جديد وفق الإرادة الوطنية وبعيداً عن التدخلات أو التأثيرات الخارجية ودون أن يكون لطرف أو جماعة أو حزب أو فئة أي فرصة لفرض إرادتها أو تمرير مشروعها الخاص على حساب المشروع الوطني.
الدستور الجديد بمدخلاته المدنية والديمقراطية هو الذي سيجعلنا نتطلع إلى المستقبل وسيمكننا من الانتصار للهوية الوطنية , ويعزز من الولاء للوطن , ومن خلال ذلك سنتخلص من الماضي بكل ما فيه , وحينها يمكننا العيش بسلام دون اقتتال أو حروب أو اغتيالات أو تفجيرات.
فقط علينا تغليب المصلحة العليا دون المصالح الشخصية أو الحزبية, فنحن من سيحدد مصير اليمن ومستقبلها؛ إما أن ننطلق إلى الأمام دون الالتفات إلى الخلف , أو نغلق على أنفسنا أسوار الماضي ونحتكم للسلاح.
أ. محمد شمسان
الموت والاحتكام للماضي 1673